للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال إمام الحرمين: «وهذا غير سديد من وجهين: أحدهما - أنه قد يجعل المسألة على قولين في صورة لا يؤثر فيها عن العلماء قول على التنصيص، والآخر - أنه يضيف القولين إلى اجتهاده، ولا يجري في ذلك مجرى حكاية المذاهب، فإنه إذا حكى المذهب فصيغة كلامه في الحكاية تتميَّز عند كل مصنف عن صيغة ذكره القولين» (١).

وذهب آخرون إلى أنه قال ذلك على التخيير، بناءً على القول بتصويب المجتهدين، وهذا مذهب القاضي الباقلَّاني (٢).

وقد ردَّ عليه إمام الحرمين هذا المذهب بأمرين (٣): أحدهما - أن الصحيح من مذهب الشافعي أن المصيب واحد، وثانيهما - القول بالتخيير إنما يمكن في تقدير واجبين، مثل أن يؤدي أحد الاجتهادين إلى إيجاب شيء والثاني إلى إيجاب غيره، ولا يؤدي تقدير جمعهما على سبيل التخيير إلى تناقض، أما إذا كان أحد الاجتهادين يؤدي إلى التحليل ويؤدي الثاني إلى التحريم فلا يتصور التخيير في القولين، إذ من المستحيل التخيير بين الحظر والتحليل، وكذلك لا يتحقَّق التخيير بين محرمين. وهذا الثاني في الأصل من اعتراض الحنفية على الشافعي، وقد رد عليهم ذلك السمعاني فقال: «إنما جاز التخيير بينهما على وجه البدل دون الجمع لأمرين: أحدهما - أنه لا يمتنع اعتدال الفرع في الشبه بين أصلين متجاذبين لوجود ذلك عيانًا، كما لا يمتنع اعتدال جهتين مختلفتين في القبلة، ثم كان لا يمنع اعتدال جهتين مختلفتين في القبلة من التخيير في الصلاة إلى أيهما شاء


(١) انظر «التلخيص» لإمام الحرمين (٣/ ٤١٦).
(٢) انظر القسم الخامس في «حقيقة القولين» (ص: ٢٩٧)، وانظر «القواطع» للسمعاني (٥/ ٨٢).
(٣) انظر «التلخيص» (٣/ ٤١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>