للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إجماعًا، وكذلك جاز مثل هذا اعتدال فروع بين أصلين في تخيير ردِّه إلى أيهما شاء، والثاني - أن القياس طريق إلى الأحكام كالنصوص، فلما جاز ورود النصِّ بالتخيير في الكفارة جاز أيضًا أن يكون القياس موجبًا للتخيير كالنصِّ، وليس بمستحيل في الشرع ورود النصِّ بالتخيير بين حكمين متنافيين، كما يُخيَّر المسافر بين الصوم والفطر وبين الإتمام والقصر، ويُخيَّر العبد بين الجمعة والظهر» (١).

هكذا أجاب السمعاني تنزلًا على قول تكافؤ الأدلة وإصابة المجتهدين، وليس ذلك مذهب المحقِّقين من أصحاب الشافعي، وليس أبدًا بالذي سار عليه الأصحاب وعملوا، بل إن الشيخ أبا إسحاق قال: «لا يقول به أحد»، لكن الغزالي ذهب إليه واستحسنه (٢).

والمذهب السديد: إنه ليس له في المسألة قول ولا مذهب، وإنما ذكر القولين ليتردَّد فيهما، وهو القول الثالث.

قال السمعاني: «إن الشافعي لم يذكر القولين في هذا المعنى على معنى أنه معتقد لهما أو مخيّر، وإنما ذكرهما لأن الحادثة تحتمل كلا القولين ولم يترجَّح عنده بعد أحدهما، فذكرهما لينظر فيهما ويختار منهما الصواب، فأدركه الموت قبل البيان، وليس في هذا عيب على المجتهد، بل هو دليل على غزارة علم المجتهد وكمال فضله وشدة تَوَقِّيه» (٣).

فإن قال قائل: فلا معنى لقولكم: «للشافعي قولان»؛ إذ ليس له على ما زعمتم في مثل هذه المسائل قول واحد ولا قولان .. أجاب إمام


(١) انظر «القواطع» للسمعاني (٥/ ٨٣).
(٢) انظر «شرح اللمع» للشِّيرازي (٢/ ١٠٧٦)، و «حقيقة القولين» للغزالي (ص: ٢٩٨).
(٣) انظر «القواطع» للسمعاني (٥/ ٨٤)، ونحوه لإمام الحرمين في «التلخيص» (٣/ ٤٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>