ومنها: قبول مراسيل سعيد بن المسيّب، قال الشافعي (ص: ١٠٤٣): «وإرْسالُ ابنِ المسيّب عندنا حَسَنٌ»، وهنا سؤالان:
السؤال الأول - ماذا يُراد بحسن مراسيل سعيد بن المسيّب؟ الذي يفهم من كلام المُزَني حمله إلى الاستئناس الذي هو دون الاحتجاج، ولذلك قال عقيب النصِّ المذكور:«إذا لم يَثْبُت الحديثُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. فالقياسُ عندي … » إلخ، وهذا مذهب المحدِّثين الذي ينصره الشافعي في جملته، والنَّفْس إلى نسبة هذا إلى الشافعي أميل، لكن الذي عليه عامة أصحابه أنه أراد الاحتجاج، والله أعلم.
السؤال الثاني - هل ذِكْر ابن المسيّب باسمه تخصيص له بحسن مراسيله؟ نقل الحافظ البَيْهَقي عن أبي محمد الجُوَيْني أن الحكم خاص بمراسيل ابن المسيّب وحده، وأنه قال في مراسيل غيره:«إنها ترجيحات لا تقوم الحجة بها، سوى مرسل سعيد بن المسيب»، قال البَيْهَقي:«والشيخ - أدام الله عزَّه - تَبِع في إطلاق هذه اللفظة صاحب التلخيص، ولو نظر في رسالتي القديمة والجديدة للشافعي - رحمه الله - وأبصر شرطه في قبول المراسيل، وتذكّر المسائل التي بناها على مراسيل غيره حين اقترن بها الشرط ولم يجد فيها ما هو أقوى منها - وهو أدام الله توفيقه أعلم بتلك المسائل مني - .. لقال بسوى مرسل سعيد بن المسيب ومن كان في مثل حاله من كبار التابعين؛ ليكون قوله موافقًا لجملة قول الشافعي في الرسالتين»(١).
قال عبدالله: اعتمد الشافعي على مراسيل الحسن البصري في موضعين من «المختصَر»(ف: ١٠٨٥ و ٢٠١٨)، وعلق عليهما إمام الحرمين
(١) انظر «رسالة أبي بكر البَيْهَقي إلى أبي محمد الجُوَيْني» (ص: ٨٧).