قال المزني: مخرجه عندنا وبالله التوفيق أنه لما قال: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» أوجب أن لا يقبل عنه إلا الثقة عن الثقة؛ لأن ما قبل عنه فدين يدان به الله جل ثناؤه، وما حدث عن بني إسرائيل فليس عليه في قبول ذلك دين يدين به الله، فليس عليه أن يطلب الثقة في ذلك كما يطلبه في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه، لا أن في ذلك تجويزَ أن يقبل من محدِّثٍ عن بني إسرائيل من يرى حديثه كذبًا؛ لأنه روي أنه من روى حديثًا عن من يراه كاذبًا فهو أحد الكاذِبَيْنِ؛ لأنه لا يجيز الكذب صلى الله عليه عن بني إسرائيل ولا غيرهم، وحذر أن يحدث إلا بالصدق، وأن لا يقبل إلا من الصادقين المعروفين، ولم يجعل هذا الاستقصاء في الحديث عن بني إسرائيل، لا أنه أجاز قَبول حديث الكاذِبِين، ولا أن حَرَّج في ذلك.
(٣٢) ومنها: ما روي عن عبدالله بن مسعود، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه سرية، فاعتصم رجل من المشركين بشجرة، فأمر بالشجرة فأحرقت، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه، فقال:«إني لم أُبْعَث أن أعَذِّب بعذاب الله، إنما أُمِرت بضرب الأعناق، وشَدِّ الوَثاق».
قال المزني: مخرج ما نهى عنه صلى الله عليه وبالله التوفيق: أنه نهى أن يُعَذَّب مَنْ قُدِر عليه بعذاب الله، وليس في ذلك نهي عن المقاتَلَة بالنار، وإنما يُعَذِّب المعذِّب مَنْ قَدَر عليه، فكان في معنى من هو في يديه، وقوله:«إنما بُعِثت بضرب الأعناق، وشد الوَثاق»، ولا يكون ذلك إلا في المقدور عليه، وفي ذلك دليل أنه إنما نَهَى عن حرقه لأنه صار في معنى المقدور عليه، والشجر لا يقع عليها تعذيب، وقد حَرَّق النبي صلى الله عليه أموال بني النضير، وقال لأسامة:«ائتِ يُبْنا ذا صباح ثم حرق»، ولا تألَّمُ إلا ذو روح، ألا ترى أن النبي قال:«من قتل عصفورًا بغير حقها، حوسب بها يوم القيامة»؟ قيل: