ظلمه، وكان خيرًا أو أفضل من أن يتوقفوا إلى أن يصح النظر في المسألة عند المناظرة، وقد يبطئ ذلك ويكون في التوقف ضرر يمنع الخصم من حقه، والفَرْجَ من حِلِّه، وترك الظالم على ظلمه.
وشبهوا أو بعضهم النازلة - فيما بلغني - إذا كانت بالضرورة، والجواب فيها بأكل الميتة، فأحلوا الجواب في النازلة كما أحلوا الميتة بالضرورة، فيقال لهم: أفتزعمون أن الذي ذكرنا روايتكم عنهم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما أجابوا فيه مما لم يكن، وتعرضهم جوابَ ما لم يُسأَلوا عنه قد صاروا بذلك في معنى مَنْ أكل الميتة على غير ضرورة؟
ويقال لهم: ما يشبه خوف المرء على نفسه الموتَ فأُمِرَ بإحيائها من أكل الميتة من المجيب إلا مما حل لصاحب المسألة، ولو كان هذا التشبيه لكان إذا حل برجل ضرورة حل لغيره أكل الميتة؛ كما إذا حلت برجل مسألة حل لغيره جواب المسألة، وكان أولى التشبيهين إن جاز أن يقاس على الميتة أن يكون الجاهل المنزول به المسألة، أحق بالجواب الذي يَدفَع به عن نفسه مكروه المسألة؛ كما كان بضرورة المضرور تحل له الميتة يدفع بها عن نفسه مكروه الضرورة.
قال المزني: وإن قالوا أو بعضهم: إنما زعمنا أن المسألة إذا نزلت فسُئل عنها العالم كان كالمضطر، فعليه أن يجيب كما كان على المضطر أن يأكل الميتة .. قيل لهم: فروايتكم عن عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سُئلوا - رَدّ المسألة هذا إلى هذا حتى تدور المسألة فترجع إلى الأول، توجب في قولكم أنهم تركوا ما فرض الله عليهم؛ لأن على المضطر فرضًا أن يحييَ نفسه بالميتة، ولا يقتلَها بترك أكل الميتة، قد ترك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما فُرِض عليهم في معنى قولكم!