ويقال لهم: أليس إنما يجب عليهم جوابُ المنزول به؛ ليدفع به جهله، وليعلم بالجواب ما حرم عليه وحل له؟ فإذا قال: نعم .. قيل له: فقد رجعت المسألة إلى أن الضرورة بغيره أوجبت الجواب عليه، فكذلك لضرورة المضطر بغيره يجب أكل الميتة عليه، وإلا فهما مفترقان لا يشبه الجواب في المسألة الميتة.
ويقال له: أليس إذا نزلت المسألة فسئل عنها العالم حل له الجواب بالسؤال؛ كما إذا نزلت به ضرورة حل له أكل الميتة بالاضطرار؟ فإذا قال: بلى .. قيل: وكذلك إذا ارتفع السؤال رجع الجواب حرامًا؛ كما إذا ارتفع الاضطرار رجعت الميتة حرامًا؟ فإذا قالوا: نعم .. قيل لهم: فلم سألتم عن جواب الماضين وملأتم منها الكتب وهي حرام عليكم، وإنما حلت للعالِم بالسؤال، ثم حرمت بارتفاع السؤال؛ كما حلت للمضطرين الميتةُ بالاضطرار، ثم حَرُمت بارتفاع الاضطرار؟ فإن قالوا: لأن ذلك السؤال والجواب قد كان .. قيل: وكذلك الاضطرار وأكل الميتة بالاضطرار قد كان، فما الفرق بين ذلك إن كان الجواب عندكم نظيرًا للميتة؟ فإن قالوا: إنما ذلك حكاية وليست سؤالًا ولا جوابًا .. قيل لهم: فلا معنى فيما رويتم يُستدَل به على الفقه والعلم فيما لم ينزل؟ فإن قالوا: نعم .. أقاموا الحكاية مُقامَ الجواب، ولزمهم تحريم السؤال والجواب عما لم يكن، وهو نقض قولهم، وإن قالوا: لا معنى أكثر من الحكاية .. قيل: فلا فرق بين حكاية ما لا يضر وما لا ينفع، وبين ما حكيتم من جوابات أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما معنى ما روى الفقهاء والعلماء عن السابقين، ثم عن التابعين واقتدائهم بجوابات أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟