(٤٧) وأخرج الخطيب في «الفقيه والمتفقه»(٢/ ١٣٦ - ١٣٧)، فقال: أنا محمد بن أحمد بن عمر الصابوني، أنا أبو سليمان محمد بن الحسين بن علي الحراني، أنا أحمد بن علي بن الحسن بن شعيب المدائني، قال: قال المزني:
ويقال لمن حكم بالتقليد: هل لك فيما حكمتَ من حجة؟ فإن قال: نعم .. أبطَلَ التقليد؛ لأن الحجة أوجبت ذلك عنده، لا التقليد، وإن قال: بغير حجة .. قيل له: فلِمَ أَرَقتَ الدماء، وأبحت الفروج، وأتلفت الأموال، وقد حرم الله كل ذلك فأبحته بغير حجة؟
فإن قال: أنا أعلم أني قد أصبت وإن لم أعرف الحجة؛ لأن معلمي من كبار العلماء، ورأيته في العلم مقدَّمًا، فلم يقل ذلك إلا بحجة خَفِيتْ عني .. قيل: فتقليد معلِّمِ معلِّمِك أولى من تقليد معلِّمِك؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خَفِيتْ عن معلِّمِك كما لم يقل معلِّمُك إلا بحجة خَفِيتْ عنك؟
فإن قال: نعم .. ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلِّمِ معلِّمِه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي إلى العالِمِ من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن أبى ذلك .. نقض قوله، وقيل له: وكيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علمًا، ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علمًا، وهذا متناقض؟!
فإن قال: لأن معلمي وإن كان أصغر فقد جمع عِلمَ مَنْ فوقَه إلى علمه، فهو أبصَرُ بما أخَذَ، وأعلَمُ بما ترَكَ .. قيل: وكذلك مَنْ تعلَّمَ من معلِّمِك، فقد جمع علم معلمك وعلمَ من فوقه إلى علمه، فلزمك تقليده وتركُ تقليد معلمك، وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك؛ لأنك جمعت علمه وعلم من فوقه إلى علمك.