للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بيدِه مِنْ الملامَسَةِ»، وعن ابن مسعودٍ قريبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِ ابنِ عُمَرَ، واحْتَجَّ في مَسِّ الذَّكَرِ بحَدِيثِ بُسْرَةَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مسَّ أحدُكم ذَكَرَه فليتوضّأ»، وقاسَ الدُّبُرَ بالفَرْجِ، مع ما رُوِيَ عن عائشةَ أنّها قالت: «إذا مست المرأة فرجها توضأت»، واحْتَجّ بأنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ قُوِّمَ عليه»، فكانت الأمَةُ في مَعْنى العبدِ، فكذلك الدُّبُرُ في مَعْنَى الذّكَرِ (١).

(٤٥) قال الشافعي: وما كان مِنْ سِوَى ذلك، مِنْ قَيْءٍ، أو رُعافٍ، أو دمٍ خَرَج مِنْ غير مَخْرَجِ الحدَثِ .. فلا وضوءَ في ذلك؛ كما أنه لا وضوءَ في الجُشَاءِ المتغَيِّر، ولا البُصاقِ؛ لخروجهما مِنْ غير مخْرَجِ الحدَثِ، وعليه أنْ يَغْسِلَ فاهُ وما أصابَ القيءُ مِنْ جسدِه، واحْتَجَّ بأنّ ابنَ عمرَ عَصَر بَثْرَةً بوَجْهِه فخَرج منها دمٌ، فدَلَكه بين إصْبَعَيْه، ثم قام إلى الصلاةِ ولم يَغْسِلْ يدَه. وعن ابن عباس: «اغسل أثرَ المحاجِمِ عنك، وحَسْبُك»، وعن ابن المسيب: رَعَفَ فمسح أنفَه بصُوفَةٍ ثُمّ صلّى (٢)، وعن القاسم: «ليس على المحْتَجِم وضوءٌ».

(٤٦) قال: وليس في قَهْقَهَة المصلي، ولا فيما مَسَّت النارُ وضوءٌ؛ لما رُوِيَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أكل كَتِفَ شاةٍ، ثُمّ صلى ولم يَتَوضّأْ (٣).


(١) جاء في هامش س: «قال أبو بكر بن خزيمة: سمعت يونس بن عبدالأعلى يقول: أنا ابن وهب، عن مالك: وسألت عن مس الذكر، فقال: أحب الوضوء منه، قال: وسمعت يونس، أن أشهب بن عبدالعزيز أخبرهم عن مالك في رجل مس ذكره ثم صلى ولم يتوضأ وفات الوقت، قال: لا أرى عليه الإعادة، وسألت ابن عبدالحكم: مَنْ أعلم أصحابكم وأفقه أصحابكم؟ قال: نحن نقول: لم يكن منهم مثل أشهب بن عبدالعزيز، فسألت المزني، فقال لي: عبدالرحمن بن القاسم أَتْبَعُ الرجلين لصاحبه، وأشهب بن عبدالعزيز أفقه الرجلين، وابن وهب أعلم الثلاثة باختلاف المدنيين».
(٢) زاد في هامش ظ مصححًا: «ولم يتوضأ».
(٣) وأوجب الحنفية الوضوء عن القهقهة في الصلاة، وأوجب أحمد الوضوء عن أكل لحم الجزور، ونقل ابن القاص مثله عن القديم للشافعي، وهو نقل شاذ، وقال النووي في زيادات «الروضة» (١/ ٧٢): «هذا القديم وإن كان شاذًّا في المذهب فهو قوي في الدليل، فإن فيه حديثين صحيحين ليس عنهما جواب شافٍ، وقد اختاره جماعة من محققي أصحابنا المحدثين»، قال: «وهذا القديم مما أعتقد رجحانه، والله أعلم». وراجع «العزيز» (١/ ٥٠٠).
فائدة: جاء في هامش س: «قال الإمام الشافعي [«الأم» (١/ ١٧)]: أنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن رجلين أحدهما: جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.
قال شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني: حديث عمرو بن أمية الضمري هذا، أخرجه البخاري ومسلم من طرق مدارها على الزهري، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه، وليس في رواية البخاري ومسلم: «عن رجلين أحدهما: جعفر»، وأما أصحاب السنن غير أبي داود فخرَّجوه من طريق الزهري، ولم يذكر أحد منهم: «عن رجلين»، ولا خرجوا طريق سفيان بن عيينة، وهو في الكتب المذكورة مخرَّج من حديث ثمانية من أصحاب الزهري؛ أعني: في مجموعها، لا أن كل واحد أخرجه عن الثمانية، والثمانية: عقيل [ب: ٢٠٨]، ويونس، وصالح بن كيسان، وإبراهيم بن سعد [م: ٣٥٥]، ومعمر [خ: ٥٤٢٢، ت: ١٨٣٦]، وشعيب بن أبي حمزة [ب: ٥٤٠٨، ٥٤٢٦]، والأوزاعي، وعمرو بن الحارث، ووقع في رواية إبراهيم بن سعد مرة: «عن صالح بن كيسان، عن الزهري»، ومرة: «عن الزهري» من غير واسطة.
وقد ذكر الزهري في رواية سفيان أحد الرجلين، ولم يذكر الآخر، وظهر لي أن الآخر هو علي بن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-، وروايته ذلك عن أبيه، لا عن عمرو بن أمية، وظهر ذلك من رواية الأوزاعي عن الزهري، ومن رواية عمرو بن الحارث عن الزهري.
أما رواية الأوزاعي .. فأخرجها ابن ماجه في سننه (٤٩٠) بسنده إلى الأوزاعي: ثنا الزهري، قال: حضرت عشاء الوليد أو عبدالملك، فلما حضرته الصلاة قمت لأتوضأ، فقال جعفر بن عمرو بن أمية: أشهد على أبي أنه شهد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أكل طعامًا مما غَيَّرتِ النارُ، ثم صلى ولم يتوضأ، وقال علي بن عبدالله بن عباس: وأنا أشهد على أبي بمثل ذلك.
وأخرج البيهقي في «السنن» (١/ ١٥٤)؛ من حديث عمرو بن الحارث، عن الزهري، عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه، أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَحتَزُّ من كتف شاة فأكل منها، فدُعِيَ إلى الصلاة، فقام وطرح السكين ثم صلى ولم يتوضأ. وحدثني علي بن عبدالله بن عباس، عن أبيه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك.
ولم يقل البيهقي هنا: «أخرجه مسلم»، وهو في مسلم (٣٥٥)». انتهى كلام البلقيني، ولعله من «ترتيب الأم».