وهاكُمْ -معاشرَ الشافعيين- «المختصَر من علم الشافعي ومن معنى قوله»، «إنه زينة مذهبكم، وعمدة أصلكم، وقاعدة طريقكم، وقعر يَمِّكُمْ، وموئلُكم حين تختلفون، ومرجعكم حين تضطربون، ومفزعكم حين تتلاطم أمواج الآراء، ويتناضل في المحافل الفقهاء»(١).
كان تصحيحه وتقريبه من متناول دارسي العلوم الإسلامية من أمانيَّ الكبار قديمةِ الأمَدِ، لكن البَدءَ في تحقيقه لم يكن بالأمر الهيِّن، فإن للشافعيِّ في القلوب هيبةً أيَّمَا هيبة، والمُزَنِيُّ أعظمُ تلاميذِه ومختصِرُ نصوصه، فكتابُه من كتبِه، وكلامه من مَعِينِهِ، فلم يكُنْ من السهل الخوضُ في عُبابِ كلام الشافعي والحديث عن بيان مراده.
في منتصف القرن الثاني ولد الإمام الشافعي رحمة الله عليه، ولد ونشأ في دولة الإسلام والعلم، فتنقل بين حواضر الإسلام الثلاثة: مكة والمدينة والعراق، ونهل من علوم أعلامها وأدرك وجوه اختلافهم ومناهج استنباطهم واجتهادهم، ثم نظر فيما تحصل لديه من العلوم وأنعم فيما وراء العلوم من الأصول، فوجد كل حاضرة من الحواضر الإسلامية تتبع إمامها وتقلده ثم تدافع عنه بالدليل وغير الدليل، وهكذا كان التقليد لفقه البلدان أول شرخ حدث في بنيان المنهج الإسلامي الخالص، فأتى الشافعي ليجدد هذا المنهج ويجدد الدين من خلاله في رأس المائة الثانية، استنبط علم أصول الفقه وطبق قواعده القطعية المتفق عليها في العصر الأول على جزئيات الأحكام، وهكذا وجدت مصنفات الشافعي الأصولية والفقهية، ثم وجد كتاب «المختصر» للمزني، الذي هو خلاصة وجوهر نصوص الشافعي في مختلف كتبه ومقالاته، وخلاصة منهجه الذي استنبطه بعلمه وقريحته.
(١) اقتباس عن ابن السُّبكيِّ في «الطبقات» (١/ ٢١).