ويقيني أن التجديد الذي قام به الشافعي في القرن الثالث هو ذات التجديد الذي نحن في أمس الحاجة إليه أيامنا هذه في مواجهة جحافل الغزو الفكري، حيث إن أهم سمات هذا الغزو: التشكيك في المسلمات وتحريف مناهج تناول وفهم النصوص الشرعية من خلال ما يسمى بـ «القراءة المعاصرة للنصوص الشرعية»، هذه الحركة الشعواء التي إن كتب لها النجاح لم يبق على وجه الأرض أحد يذكر الله، ولكن يأبى الله والمؤمنون.
ومن هذا المنطلق أشيد بالأمة الإسلامية على اختلاف طوائفها وتوجهاتها أن تستفيد من جهد الشافعي واجتهاداته، حيث إنه نظر في اجتهادات العصر الأول على اختلافها ثم استخلص منها الوحدة المنهجية الساري فيها، المنهجية الصافية التي لم يتلوث بالفلسفات المستوردة أو التحريفات الكلامية المستحدثة، وهذه المنهجية هي الوحيدة التي بإمكانها أن تعيد للعلوم الإسلامية روح الحياة ومسايرة مستجدات العصر مع الحفاظ على قداسة الوحي والنبع الأول، وإحياء هذه المنهجية وإعادتها إلى سابق عهدها الأول هو الذي سيتيح للأمة الإسلامية أن تأخذ مكانها في تصدير رؤيتها المتفردة للأمم المختلفة، ومن ثم استعادة مكانها في قيادة العالمين من جديد كما قادتهم في سالف العصور، وعنايتي بكتاب «مختصر المزني» وكتب الشافعي عموما استجابةٌ مني لما أراه وأدين الله به من هذه الرؤية، ووجوب تجديد الخطاب الإسلامي على أساسها.
والناس مع نصوص الشافعي ومنهجه على طرفي نقيض فيما يبدو لرأي العين، لكنهما طرفان يصبان في إناء واحد:
الطرف الأول - التنكر للشافعي واجتهاده، هذه الجبهة التي يمثلها دعاة