الحداثة على اختلاف توجهاتهم، الجامع المشترك بين هؤلاء أنهم يعتقدون عدم صلاحية أحكام الشريعة لضبط الحياة العامة المعاصرة، فهم يحاولون تحريفها باجتهادات جديدة من وحي الواقع على حسب أفهامهم، فوجدوا الشافعي بمنهجه عائقا أمام الحرية الفكرية التي يبحثون عنها ويروجون لها تمهيدا لتمييع أحكام الشريعة على حسب أهوائهم.
الطرف الثاني - التقديس للشافعي ونصوصه، هذه الجبهة يمثلها مقلدة المذهب المتعصبون له، هؤلاء حكموا على الناس ابتداء بوجوب التقليد وحظروا من خلاله تناول النصوص الشرعية بالاجتهاد والاستنباط مطالبين باقتصار نظر المقلِّدين على نصوص مقلَّديهم، ثم زادوا فحظروا تناول نصوص الإمام بالنظر بحكم أن ذلك شغل أصحاب الوجوه فقط، وهكذا ابتعدوا شيئا فشيئا من النصوص التي تصور حركة الاجتهاد الشرعي الحي المنضبط، فكان ذلك سببا في نضوب المعرفة والإنتاج العلمي ومن ثم سقوط الأمة عن موقعها في الصدارة.
هذان الطرفان في التعامل مع الشافعي على بعد ما بينهما يجتمعان كلاهما في إبعاد الناس عن نصوصه وتحنيط علومه، وكل واحد منهما يخدم الآخر من حيث علم أو جهل، والمنهج الوسط والذي يفرض نفسه إن أردنا أن نحفظ الله في أنفسنا ونعيش حياة عصرنا هو أن نقرب هذه النصوص من متناول أهل العصر من جهة، ونرتقي بمؤهلات طلاب العلم حتى يفهموا تلك النصوص ويستفيدوا منها من جهة أخرى، وما خروج «مختصر المزني» بحلته التي أرجو أن أكون وفِّقْتُ فيه إلى درجة كبيرة إلا بعض نتائج إيماني بهذا المنهج الوسط.