للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يكونَ الماءان معًا خمْسَ قِرَبٍ فصاعدًا (١) .. لم يُنَجِّسْ واحدٌ منهما صاحبَه، قال: فإن فُرِّقا بعد ذلك .. لم يَنْجُسا بعدما طَهُرا إلا بنجاسةٍ تَحْدُثُ فيهما.

(١٠٧) وإنْ وَقَعَ في الماءِ القليلِ ما لا يَخْتَلِطُ به، مثْلُ: العَنْبَر، أو العودِ، أو الدُّهنِ الطَّيِّبِ .. فلا بأسَ به؛ لأنّه ليس مَخُوضًا به (٢).

(١٠٨) وإذا كان معه في السّفَرِ إناءان، يَسْتَيْقِنُ أنّ أحدَهما قَدْ نَجَسَ، والآخَرُ لم يَنْجُسْ .. تأخَّى (٣)، وأراقَ النَّجِسَ على الأغْلبِ عنده، وتَوَضّأ بالطاهرِ؛ لأن الطهارةَ تَمَكَّن، والماءُ على أصلِه طاهرٌ (٤).


(١) زاد في ب: «فطهرا».
(٢) «المخوض به»: أن يُدافَ فيه، يقال: (دفت الدواء في الماء وخضته): إذا مَرَسْتَه فيه حتى يَنْماع فيه ولا يتميز منه. «الزاهر» (١٣١).
(٣) «التأخِّي» أصله «التوخِّي» فقُلِبت الواو همزة، وهو التحري، يقال: (تأخَّيتُ الشيء وتحرَّيتُه): إذا قصدته بقلبك ونيتك، ويقال: (خذ طريقك على هذا الوَخْيِ)؛ أي: على هذا القصد وهذا الصوب، فالمعنى: تحرِّي أطهَرِهما عنده، وأراق الآخر الذي هو الأغلب على قلبه أنه الذي نجس. «الزاهر» (١٣٢).
(٤) جاء في هامش س: «قال ابن خزيمة: سمعت المزني وقيل له: أيجوز إذا شك الرجل في شاتين، أحدُهما ذكية، والأخرى ميتة، أن يتوخى فيأكل أحدَهما على التحري ويلقي الأخرى؛ كما قلت في الإنائين إذا حلت في أحدهما نجاسة أنه يهرق أحدهما ويتوضأ بالآخر؟ .. فقال المزني: لا يُشبه الشاتين [كذا] الإنائين؛ لأن الماء الذي في الإنائين كان في الابتداء طاهر [كذا] قبل حلول النجاسة في أحدهما، وإهراق أحد الإنائين على التحري رجعنا إلى الأصل في الماء الذي كان في الآخر، فعلمنا أنه كان طاهرًا قبل حلول النجاسة في أحدهما، وشككنا هل حلت النجاسة في هذه الإناء أم لا؟ فلم يجز أن ينجس ماء طاهر بيقين [إلا بيقين] مثله، ولم تزل طهارة الماء الذي كان بيقين بشك، والشاتان كانتا في الابتداء وهما حَيَّان مُحَرَّمَي الأكل قبل خروج الروح منهما، فلما خرج الروح من أحدهما بذكاة تحل الأكل، [و] من الأخرى بموت يحرم الأكل، فشككنا في هذه الشاة أخرج الروح منها بموت يحرم الأكل أو بذكاة تحل الأكل .. رددنا الأمر إلى الابتداء أنها محرمة كما كانت قبل خروج الروح منها؛ كما رددنا الإناء إلى الأصل؛ لأنه كان طاهرًا في الابتداء.
سمعت المزني يقول: بعث إليَّ بعض الناس: لم قال صاحبكم في القلتين المنفرقتين إذا حلت في كل واحدة منهما نجاسة: إنهما نجسان إذا لم يتغير طعم الماء ولا لونه ولا ريحه، فإذا جمعا في موضع واحد طهر؟ .. قال: فبعثت إليه: إن صاحبي لم يجز له أن يقول على أصل مقالته غير هذا، فما تقول أنت في ماء يجري نَزْر قليل، وعلى مجرى الماء ميتة، فكان يدخل من منخري الميتة ويخرج من دبرها، أيجوز أن يتوضأ من الماء الذي يخرج من دبر الميتة؟ فإن زعمت أنْ لا - وهو قولك - فما تقول لو جرى الماء إبّانا فاجتمع في موضع حتى صار رَجْلًا من البحر، أيجوز أن يتوضأ بذلك الماء وهو غير متغير الطعم واللون والريح؟ فإن زعمت أنْ لا حُرِمْتَ من قول أهل العلم، وإن زعمت أن الطهارة به جائزة فقد زعمت أن نجسًا ونجسًا اجتمع فطهر، فما الذي أنكرت على صاحبي مما قال؟ هذا معنى حكاية المزني».
انتهى كلام ابن خزيمة، وما بين المعقوفتين من زياداتي، وذكر الماوردي أن مذهب المزني واختياره: لا يجوز أن يجتهد، ولا عليه أن يريق، بل يتيمم ويصلي ولا يعيد؛ لأن اشتباه الطاهر بالنجس كاشتباه الماء بالبول، فلما لم يجز الاجتهاد في اشتباه الماء بالبول، فكذلك لا يجوز الاجتهاد في اشتباه الطاهر بالنجس. انظر: «الحاوي» (١/ ٣٤٥).
وانظر تتمة مسألة التوخي والاجتهاد في: الأواني والثياب في كتاب الصلاة (الفقرتين: ١٧٣ و ٢٤١).