اعتبروا فيها حالة المُزَني في غالب اجتهاداته، وإلا فلا خلاف في أن المُزَني له من الاجتهادات ما خرَّجها على مذهب الشافعي، مثله في ذلك مثل أصحاب الوجوه، وله منها ما استند فيها على أدلة الأحكام ونصوص الشرع، مثله فيها مثل المجتهدين المنتسِبين أمثال ابن جرير وابن خزيمة، وله منها ما خالف فيها الشافعي بناءً على دليل خاص ظهر له، مما يمكن أن يسمَّى اجتهادًا جزئيًّا مستقلًّا، وهذا يدل على أن المُزَني اجتمعت فيه جميع مراتب المجتهدين، فينبغي تخصيص هذا الخلاف في بيان الصفة الغالبة عليه.
وحينئذٍ كان لا بد من الفرق بين ما هو من اجتهاده الخاص الذي لا يُنْسَب إلى المذهب، واجتهادِه المقيد الذي يُعَدُّ وجهًا ضمن وجوه الأصحاب، وقد اضطرب كلام الأصحاب في ضوابط ما يُعَدُّ من أقواله من المذهب وما لا يُعَدُّ، فحاول إمام الحرمين في مواضع من «النهاية» ضبط ذلك ووضع قواعد تمييزه، وأحاول هنا أن أجمع شتيت كلامه في ذلك وأرتِّبه إن شاء الله، وخلاصة ذلك النظر في أمور أربعة:
أولها - النظر في حقيقة الاجتهاد الذي بَنَى عليه قوله، فإن كان اعتمد في استنباطه على نصوص الإمام وقواعده على قاعدة التخريج فهو من الوجوه في المذهب، وهو أولى من غيره أن يُعَدَّ من المذهب، قال إمام الحرمين:«إذا تصرَّف المُزَني على قياسِ مذهب الشافعي مخرِّجًا .. كان تخريجه أولى بالقبول من تخريج غيره»(١)، وقال: «وأنا أوثر أن ننظر في كل كلام له إلى ما أشرنا إليه، فإنْ تصرَّف على المذهب وأجرى قياسه .. فهو تخريج على مذهب الشافعي، وتخريجه أولى بالقبول من تخريج غيره،