للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال التاج السُّبْكي: «لعل الشهرستاني تلقَّى هذا الكلام من الإمام»، قال: «لكن في كلام الإمام ما يقتضي أن المُزَني ربما اختار لنفسه وانحاز عن المذهب»، قال: «وهذا هو الظاهر» (١).

قلت: القول بنفي اجتهاد المُزَني خارج حدود المذهب يخالف صريح كلام إمام الحرمين كما سبق عنه، ويخالف كذلك واقع كتاب المُزَني، لكن قد تُفْهَم هذه النصوص على أنه قليل نسبيًّا، وهو كذلك إذا استقرأنا اجتهاداته في كتاب «المختصر»، لكن الحكم عليه من خلال كلامه في «المختصر» ليس سديدًا، فإن له من الكتب الكثير، وهو في غير «المختصر» أكثر تحررًا من قيود المذهب منه فيه.

ومن أبرز صور اجتهادات المُزَني الحرة عن قيود المذهب في كتاب «المختصر» مخالفاته الصريحة للشافعي، حيث يحكم على قوله بالغلط، وقد ذكر بعض مناظرات الشافعي مع محمد بن الحسن ثم قطعه وقال (ف: ٢٠٧٦): «تركت ذلك لكثرته، وأنه ليس بشيء عندي»، وفي مناظرة أخرى خالف المُزَني كُلًّا من الشافعي والشيباني وحلف بالله عز وجل لقد غلط الشافعي ومحمد بن الحسن فيها (ف: ٣٨٧١)، وهذا ونحوه من اعتراضاته الكثيرة على الشافعي دليل على شخصية فقهية مستقلة، حتى إن كثرة اعتراضاته على الشافعي أثار أصحابه عليه فتعقَّبوه في اختياراته وردوا عليه كلامه، وخصوصًا ما كان منها من جهة وهمه على الشافعي، ووصفه إمام الحرمين في بعض المواطن بأنه «يبادر إلى الاعتراض، والأولى به ألا يستفتحه إذا وجد للكلام محملًا» (٢)، واهتمَّ الماوردي في «الحاوي» بتتبُّع


(١) انظر «الطبقات» (٢/ ١٠٣).
(٢) انظر «النهاية» (١٢/ ٤٩٥)، وانظر «المختصَر» (ف: ٢١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>