للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قال: نعم .. ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي إلى العالم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن أبى ذلك .. نقض قوله وقيل له: وكيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علمًا ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علمًا، وهذا متناقض؟

فإن قال: لأن معلمي وإن كان أصغر فقد جمع علم من فوقه إلى علمه، فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك .. قيل: وكذلك من تعلَّم من معلمك، فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه، فلزمك تقليده وترك تقليد معلمك، وكذلك أنت أولى أن تقلِّد نفسك من معلمك؛ لأنك جمعت علمه وعلم من فوقه إلى علمك.

فإنْ قادَ قَوْلَه .. جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك على الصحابي تقليد من دونه، وكذلك تقليد الأعلى الأدنى أبدًا في قياس قوله، مع ما يلزمه من تصويب من قلد غير معلمه في تخطئة معلمه، فيكون بذلك مخطئًا لمعلمه ولتقليده إياه». انتهى كلام المُزَني (١).

فإن قيل: كيف يصحُّ أن يقال بالنهي عن التقليد، وأن المُزَني لم يقصد المقلدين بما ألف من الكتاب، وأنتم الشافعية كلكم أو جلكم قلدتم الشافعي رحمه الله؟ فالجواب: أن هذا سؤال وجيه، والموقع فيه جهل التقليد المقصود بالنهي، فهو: «قبول قول الغير من غير حجة»، هكذا شرحه الماوردي والروياني والقاضي حسين (٢)، وقد وجدت تأييده في كلام الشافعي نفسه، حيث حكى في «الرسالة» (ص: ١٣٣ - ١٣٥) قول من قال:


(١) أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (٢/ ١٣٦ - ١٣٧).
(٢) انظر الحاوي (١/ ١٥)، و «البحر» (١/ ٢٩)، و «التعليقة» (١/ ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>