للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهاتان المرتبتان لا يكاد يخرج منهما فقيه شافعي، اللهم إلا ما كان في العصور المتأخِّرة، وقد رُوِي عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني - رحمه الله - أنه ادَّعى الصفة الأولى لأئمة أصحابنا، «فحكى عن أصحاب مالك وأحمد وداود وأكثر أصحاب أبي حنيفة - رحمهم الله - أنهم صاروا إلى مذاهب أئمتهم تقليدًا لهم، ثم قال: الصحيح الذي ذهب إليه المحقِّقون ما ذهب إليه أصحابنا، وهو أنهم صاروا إلى مذهب الشافعي -رحمه الله- لا على جهة التقليد له، ولكن لما وجدوا طريقه في الاجتهاد والفتاوى أسدّ الطرق وأولاها، ولم يكن لهم بُدٌّ من الاجتهاد .. سلكوا طريقه في الاجتهاد، وطلبوا معرفة الأحكام بالطريق الذي طلبها الشافعي به»، قال ابن الصلاح: «وهذا الذي حكاه عن أصحابنا واقع على وَفْق ما رسمه لهم الشافعي ثم المُزَني في أول مختصره وفي غيره، وذكر الشيخ أبو علي السنجي شبيهًا فقال: اتَّبعنا قول الشافعي دون غيره من الأئمة؛ لأنَّا وجدنا قوله أحجَّ الأقوال وأعدلها، لا أنَّا قلَّدناه في قوله» (١)، قال ابن الصلاح: «دعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقًا من كل وجه لا يستقيم، إلا أن يكون قد أحاطوا بعلوم الاجتهاد المطلق وفازوا برتبة المجتهدين المستقلين، وذلك لا يلائم المعلوم من أحوالهم أو أحوال أكثرهم» (٢).

ومما يجب التنبيه إليه والحذر من الوقوع فيه ترويج بعض ضعاف العقول لفكرة بدت في ظاهرها تواضعًا ومعرفة للنفس قدرها، وهي في الحقيقة ضعة وتخريب للعلم ومنهاجه، وهي فكرة أن كل من لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق لا بد أن يظل مقلدًا من كل الوجوه، وهذه الفكرة هي التي


(١) انظر «أدب المفتي والمستفتي» لابن الصلاح (ص: ٤٠).
(٢) انظر «أدب المفتي والمستفتي» لابن الصلاح (ص: ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>