(١٥٩٥) قال الشافعي: ورُوِي عن عمرَ بنِ الخطابِ؛ أنّه صَيَّرَ رِبْحَ ابْنَيْه في المالِ الذي تَسَلَّفاه بالعراقِ فرَبِحا فيه بالمدينةِ فجَعَلَه قِراضًا عندما قال له رجلٌ مِنْ أصحابِه: لو جَعَلْتَه قِراضًا؟ ففَعَلَ، وأنّ عُمَرَ دَفَعَ مالًا قِراضًا على النصفِ (١).
(١٥٩٦) قال الشافعي: ولا يَجُوزُ القراضُ إلّا في الدنانيرِ والدراهمِ التي هي أثْمانُ الأشْياءِ وقِيَمُها.
(١٥٩٧) قال: وإنْ قارَضَه، وجَعَلَ معه رَبُّ المالِ غُلامَه، وشَرَطَ أنّ الرِّبْحَ بينه وبين العاملِ والغلامِ أثْلاثًا .. فهو جائزٌ، وكان لرَبِّ المالِ الثلثان، وللعاملِ الثلثُ.
(١) «القِراض»: أن يدفع الرجل إلى الرجل عينًا أو وَرِقًا، ويأذن له بأن يَتَّجِرَ فيه على أن الربح بينهما على ما يتشارطانه، وأصل القراض مشتق من القَرْض، وهو القطع، وذلك أن صاحب المال قطع للعامل فيه قطعة من ماله وقطع له من الربح فيه شيئًا معلومًا، والقرض الذي يدفعه المقرض إلى الرجل الذي يستقرضه مأخوذ من هذا؛ لأن المقرض يجعله مقروضًا من ماله للمستقرض؛ أي: يجعله مقطوعًا، والقراض هذا بعينه «المضاربة» لا فرق بينهما، وهما اسمان لمعنى، وخصت «شركة المضاربة» بالقراض؛ لأن لكل واحد منهما في الربح شيئًا مقروضًا - أي: مقطوعًا - لا يتعداه، وقرض الفأرة: قطعها الثوب، وقد يوضع القرض موضع المعارضة والموازاة، يقال: «قرضت فلانًا وقارضته»: إذا حاذَيتَه، ويقال: «قارضت فلانًا وقرضته»: إذا سابَبْتَه وقطعت عرضه بالسب، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عبادَ اللهِ، رفَعَ الله الحرجَ، إلا من اقترض عرض امرئ مسلم، فذلك الذي حَرِجَ»، يريد: إلا من سب عرض امرئ مسلم وقطعه بالذم وسوء القول، ومنه قول أبي الدرداء: «إن قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك»، وقد يكون التقارض والمقارضة في الثناء والمدح، وذلك أن يمدح الرجل رجلًا، فيمدحه الممدوح بمثل مدحه له، ويقال: «هما يتقارضان الثناء»، وهذا مأخوذ من القرض الذي هو بمعنى: المحاذاة والمعارضة، وسميت هذه الشركة: «مضاربة»؛ لأن العامل يضرب بالمال الذي أخذه من صاحبه في الأرض يَتَّجِر فيه، يقال: «ضرب في الأرض»: إذا سافر، قال الله تعالى: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} [المزمل: ٢٠]، فأهل الحجاز يسمونها: قِراضًا، وأهل العراق يسمونها: مضاربة، والأصل فيهما ما علمت. «الزاهر» (ص: ٣٤٥) و «الحلية» (ص: ١٤٧).