للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(١٦٥٤) قال الشافعي: قال الله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق: ٦]، وقد يَخْتَلِفُ الرَّضاعُ، فلمّا لم يُوجَدْ فيه إلّا هذا جازَتْ فيه الإجارةُ، وذَكَرَها اللهُ تبارك وتعالى في كتابِه، وعَمِلَ بها بعضُ أنبيائه، فذَكَرَ موسى وأُجْرَتَه نَفْسَه ثَمانِيَ حِجَجٍ مَلَكَ بها بُضْعَ امْرَأةٍ، وقيل: اسْتَأجَرَه على أن يَرْعَى له غَنَمًا (١)، فدَلَّ بذلك على تَجْوِيزِ الإجارةِ، ومَضَتْ بها السُّنَّةُ وعَمِلَ بها بَعْضُ الصحابة والتابعين (٢)، ولا اخْتِلافَ في ذلك بين أهْلِ العِلْمِ ببَلَدِنا وعَوَامِّ أهْلِ الأمْصارِ.

(١٦٥٥) قال الشافعي: فالإجاراتُ صِنْفٌ مِنْ البيوعِ؛ لأنّها تَمْلِيكٌ مِنْ كُلِّ واحدٍ منهما لصاحبِه، وكذلك يَمْلِكُ المسْتأجِرُ المنفعةَ التي في العبدِ والدارِ والدابّةِ إلى المُدَّةِ التي اشْتَرَطَ، حتّى يَكُونَ أحَقَّ بها مِنْ مالِكِها، ويَمْلِكُ صاحبُها العِوَضَ، فهي مَنْفَعَةٌ مَعْقُولَةٌ مِنْ عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ، فهي كالعَيْنِ المبِيعَةِ، ولو كان حُكْمُها خِلافَ العَيْنِ كانتْ في حُكْمِ الدَّيْنِ، ولم يَجُزْ أن يَكْتَرِيَ بدَيْنٍ؛ لأنّه حينئذٍ يُكُونُ دَيْنًا بدَيْنٍ، وقد نَهَى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن الدَّيْنِ بالدَّيْنِ، قال الشافعي: فإذا دَفَعَ ما أكْرَى وَجَبَ له جَمِيعُ الكِراءِ؛ كما إذا دَفَعَ ما باع وَجَبَ له جَمِيعُ الثَّمَنِ، إلّا أن يَشْتَرِطَ أجَلًا (٣).

(١٦٥٦) فإنْ قَبَضَ العَبْدَ فاسْتَخْدَمَه، أو المسْكَنَ فسَكَنَه، ثُمّ هَلَكَ


(١) يشير الشافعي إلى ما حكى الله عز وجل عن صاحب موسى إذ قال له: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧]، و «الأجر»: أصله الثواب، وسمى الله تعالى المهر أجرًا فقال: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: ٢٥]، ومعنى قوله: {أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}: أن تجعل مهر ابنتي رَعْيَك غنمي ثمانيَ حجج؛ فكأنه قال: تثيبني من بضعها رعي الغنم، يقال: «أجرت فلانًا من عمله كذا وكذا»؛ أي: أثبته منه، ومعنى «الثواب»: العوض، وأصله من «ثاب»؛ أي: رجع؛ كأن المثيب يعوض المثاب مثل ما أسدى إليه. «الزاهر» (ص: ٣٤٩).
(٢) كذا في ز ب س، وفي ظ: «وعَمَلُ بعضِ الصحابة والتابعين».
(٣) سبق بيان مسألة: متى يملك المكري الأجرة؟ وانظر (الفقرة: ٦٨٩).