(١٧٢٧) قال الشافعي: يَجْمَعُ ما يُعْطِي الناسُ مِنْ أمْوالِهِم ثلاثةُ وُجُوهٍ، ثُمّ يَتَشَعَّبُ كُلُّ وَجْهٍ منها، ففي الحياةِ منها وجهان، وبعد الوفاةِ وَجْهٌ.
(١٧٢٨) فممّا في الحياةِ: الصدقاتُ، واحْتَجّ فيها بأنّ عُمَرَ بن الخطّابِ مَلَكَ مائةَ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ، فقال: يا رسولَ الله، لم أصِبْ مالًا مِثْلَه قَطّ، وقدْ أرَدْتُ أنْ أتَقَرَّبَ به إلى الله، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «حَبِّس الأصْلَ، وسَبِّل الثمرةَ»، قال الشافعي: فلما أجاز رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُحَبِّسَ أصْلَ المالِ ويُسَبِّلَ الثمرةَ، دَلَّ على إخْراجِه الأصْلَ مِنْ مِلْكِه إلى أن يَكُونَ محْبُوسًا، لا يَمْلِكُ مَنْ سُبِّلَ عليه ثَمَرُه بَيْعَ أصْلِه، فصار هذا المالُ مُبايِنًا لِما سِواهُ، ومُجامِعًا لأن يَخْرُجَ العَبْدُ مِنْ مِلْكِه بالعِتْقِ لله إلى غيرِ مالكٍ، فمَلَّكَه بذلك مَنْفَعَةَ نَفْسِه لا رَقَبَتَه؛ كما يَمْلِكُ المُحَبَّسُ عليه مَنْفَعَةَ المالِ لا رَقَبَتَه، ومُحَرَّمٌ على المحَبَّسِ أن يَمْلِكَ المالَ كما مُحَرَّمٌ على المعْتِقِ أن يَمْلِكَ العبدَ (١).
(١٧٢٩) قال الشافعي: ويَتِمُّ الحَبْسُ وإن لم يُقْبَضْ؛ لأنّ عمرَ هو المتَصَدِّقُ بأمرِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- لم يَزَلْ يَلِي صَدَقَتَه - فيما بَلَغَنا - حتّى قَبَضَه اللهُ، ولم يَزَلْ عَلِيٌّ يَلِي صَدَقَتَه حتّى لَقِيَ اللهَ، ولم تَزَلْ فاطمةُ تَلِي صَدَقَتَها حتّى لَقِيَت اللهَ جل ذِكرُه.
ورَوَى الشافعيُّ حديثًا ذَكَرَه: أنّ فاطمةَ بنتَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- تَصَدَّقَت بمالها على بَنِي هاشمٍ وبني المطَّلِبِ، وأنّ عليًّا تَصَدَّقَ عليهم وأدْخَلَ معهم
(١) ظاهر نصه هنا أن ملك رقبة الوقف ينتقل إلى الله تعالى، وخرج ابن سريج من نصه الآتي في الوقف المنقطع (الفقرة: ١٧٣٤) أنه يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف قولًا ثانيًا أنه لا يزول ملكه، وإنما يمنع من التصرف فيه بالبيع ونحوه، وخرج من نصه الآتي في «الشهادات» (الفقرة: ٣٧٧٩) أن مدعي الوقف إذا أقام شاهدًا واحدًا حلف معه قولًا ثالثًا أن ملكه للموقوف عليه، والمذهب عند الأكثرين الأول، ومنهم من قطع به. انظر: «العزيز» (١٠/ ٢٨٨) و «الروضة» (٥/ ٣٤٢).