للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن اراد غير ذلك سمعنا وأطعنا؛ والرأى أن تكتب إليه وتقول: بلغنى أنّك تريد الحركة لأجل البلاد، فأىّ حاجة إلى هذا! يرسل المولى نجّابا يضع فى رقبتى منديلا ويأخذنى إليك، فما هاهنا من يمتنع عليك؛ وقام الأمراء وتفرّقوا. فلمّا خلا نجم الدين أيّوب بابنه صلاح الدين قال له: يا بنىّ، بأىّ عقل قلت هذا! أمّا علمت أنّ نور الدين متى سمع عزمنا على منعه ومحاربته جعلنا أهمّ الوجوه عنده؛ وحينئذ لا نقوى به؛ وإذا بلغه طاعتنا له تركنا واشتغل بغيرنا، والأقدار تعمل عملها؛ والله لو أراد نور الدين قصبة من قصب السّكّر لقاتلته أنا عليها حتى أمنعه أو أقتل.

ففعل صلاح الدين ما أشار به والده عليه؛ فترك نور الدين قصده واشتغل بغيره؛ فكان الأمر كما ظنّه أيّوب. وتوفّى نور الدين ولم يقصده. وملك صلاح الدين البلاد، وكان هذا من أصوب الآراء وأحسنها» . انتهى كلام ابن الأثير باختصار.

قال ابن شدّاد: «ولم يزل صلاح الدين فى نشر الإحسان وإفاضة النعم على الناس إلى سنة ثمان وستّين وخمسمائة، فعند ذلك خرج بالعسكر يريد بلاد الكرك والشّوبك، وإنّما بدأ بها لأنّها كانت أقرب إليه، وكانت على الطريق تمنع من يقصد الديار المصريّة، وكان لا يمكن أن تعبر قافلة حتّى يخرج هو بنفسه يعبرها، فأراد توسيع الطريق وتسهيلها، فحاصرها فى هذه السنة، وجرى بينه وبين الفرنج وقعات، وعاد إلى مصر ولم يظفر منها بشىء. ولمّا عاد بلغه خبر وفاة والده نجم الدين قبل وصوله إليه. قال: ولمّا كانت سنة تسع وستين رأى قوّة عسكره وكثرة عدده، وكان بلغه أنّ باليمن إنسانا استولى عليها وملك حصونها، وكان يسمّى عبد النّبيّ «١» ابن مهدىّ، فأرسل أخاه توران شاه فقتله وأخذ البلاد منه. ثم مات الملك العادل نور الدين محمود صاحب دمشق فى سنة تسع وستين وخمسمائة. على