وتجربةُ الأصدقاء، وشماتةُ الأعداء، وجاءَ الملكَ، فلما دخلَ عليه قال: اللهمَّ إني أسألُك من خيرهِ، وأعوذُ بعزتِك وقدريك من شرِّه، ثم سلَّم عليه، ودعا له بالعبرانية، فقال: ما هذا اللسانُ؟ قالَ: لسان آبائي، وكانَ الملكُ يعرفُ سبعين لسانًا، فكلمه بها، فأجابه بجميعِها، فتعجَّبَ منه، وامتلأ قلبُه من حبِّه.
{فَلَمَّا كَلَّمَهُ} شِفاهًا، فقالَ: أحبُّ أن أسمعَ رؤيايَ منكَ، فحكاها، ونعتَ له البقراتِ والسنابلَ وأماكنَها على ما رآها.
{أَمِينٌ} مؤتمَنٌ على خزائني وأمري، فما تَرَى؟ قال: تزرعُ زرعًا كثيرًا، وتأخذُ من الناس خُمْسَ زُروعِهم في السنينَ المخصبةِ، وتَدَّخِرُ الجميعَ في سُنبلِهِ ليكونَ قصبهُ وسنبلُه عَلَفًا للدوابِّ، ويكفيكَ ولأهلِ مصرَ السنينَ المجدبةَ، ويأتيكَ الخلقُ من النواحي، فتمتارُ منكَ في حكمِك، ويُجمَعُ عندك من الكنوز ما لم يُجْمَعْ لأحدٍ قبلَكَ، فقالَ الملك: ومن لي بذلك؟
{إِنِّي حَفِيظٌ} حافظٌ عليها {عَلِيمٌ} عالمٌ بوجوهِ التدبيرِ والتصرُّفِ، وإنما طلبَ ذلكَ شفقةً على المسلمينَ، لا منفعةً لنفسِه، فخَلَعَ عليه خِلَعَ الملوكِ، وألبسَه تاجًا، وأمرَ أن يُطافَ به، وركب الجيشُ معهُ، وعزلَ قِطفيرًا وجعلَه مكانَه مستخْلَفًا على الملكِ، وتردَّدَ إلى قصرِ الملكِ، وجلسَ