للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فجعلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يمسحُ عيني عمارٍ ويقول: "إِنْ عَادُوا فَعُدْ لَهُمْ بِمَا قُلْتَ"، فنزلَ فيه وفيمن جرى مجراه: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} (١) على كلمةِ الكفر استثناءٌ متصلٌ؛ لأنَّ الكفرَ يطلق على القولِ والاعتقادِ.

{وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} لم تتغيرْ عقيدتهُ، لا يدخلُ في هذا الحكمِ.

{وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي: طابَ بهِ نفسًا.

{فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} إذ لا أعظمَ من جرمِهِ.

واتفقَ الأئمةُ على أنَّ من أُكرِهَ على كلمةِ الكفر، يجوزُ له أن يقولَ بلسانه، وإذا قالَ غيرَ معتقدٍ بقلبِه، لا يكفرُ، وإن أَبى حتى يُقتل كانَ أفضلَ.

واختلفوا في طلاقِ المُكْرَهِ، فأجازه أبو حنيفةَ، وأبطَلَهُ الثلاثةُ، وأما المكره بحقٍّ، فهو مكلَّفٌ بالاتفاق.

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (١٠٧)}.

[١٠٧] {ذَلِكَ} الوعيدُ {بِأَنَّهُمُ} الضميرُ لمن شرحَ بالكفرِ صدرًا.

{اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} بسببِ أنهم آثَروها عليها.

{وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} لا يعصمُهم عن الزَّيْغِ.


(١) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٦٠)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٦٣٩)، و"الدر المنثور" للسيوطي (٥/ ١٧٢).