للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على قَعْرِ البحرِ حَتَّى صارَ يَبَسًا، فخاضَتْ بنو إسرائيلَ البحرَ، كلُّ سبطٍ في طريقٍ، وعن جانبيهم الماءُ كالجبلِ الضَّخم، ولا يرى بعضُهم بعضًا، فخافوا، وقالَ كلُّ سبطٍ قد قُتل إخوانُنا، فأوحى الله تعالى إلى جبالِ الماءِ أنْ يتشبَّكنَ، فصارَ الماءُ شبكاتٍ كالطَّاقاتِ يرى بعضُهم بعضًا، ويسمعُ بعضُهُم كلامَ بعضٍ حتى عبروا البحر سالمين، فذلك قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} (١).

{فَأَنْجَيْنَاكُمْ} من آلِ فرعونَ ومن الغرقِ.

{وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} أي: فرعونَ وجيوشَه، وذلك أنَّ فرعونَ لما وصل إلى البحر، فرآه منفلِقًا، قالَ لقومِه: انظُروا إلى البحرِ انفلقَ من هَيْبَتي حتى أُدْرِكَ عَبيدي الذين أَبَقُوا، ادخُلوا البحرَ، فهاب قومُه أن يدخلوه، وقالوا له: إن كنتَ ربًّا، فادخلِ البحرَ كما دخلَ موسى، وكانَ فرعونُ على حصانٍ أَدْهَمَ، ولم يكنْ في خيلِ فرعونَ فرسٌ أُنثى، فجاء جبريلُ في صورة هامانَ على أُنثى وَدِيقٍ؛ أي: شَهِيٍّ، وهي التي في فرجِها بَلَلٌ، فتقدَّمَهُ وخاضَ البحرَ، فلما شمَّ أدهمُ فرعونَ ريحَها، اقتحمَ البحرَ في أثرِها، ولم يملكْ فرعونُ من أمره شيئًا، وهو لا يرى فرسَ جبريلَ، واقتحمتِ الخيولُ خلفَه في البحر، وجاء ميكائيلُ على فرسٍ خلفَ القوم يشحذُهم ويسوقُهم حتى لا يشذَّ رجلٌ منهم، ويقولُ لهم: الحقوا بأصحابِكم، حتى خاضوا كلُّهم البحرَ، وخرجَ جبريلُ من البحر، وهمَّ أولُهم بالخروج، أمرَ اللهُ البحرَ أن يأخذَهم، فالتَطَمَ عليهم، وغَرَّقَهم أجمعينَ، وكان بينَ طرفي البحرِ أربعةُ فراسخَ، وهو بحر قُلْزُم طرف من بحر فارس، والقُلْزُمُ -بضم القاف


(١) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (١/ ٢٧٧ - ٢٧٨)، عن السدي وابن زيد.