للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأن الحديد قابل للّين؛ فإنه يلينُ بالنار، وقد لانّ لداودَ -عليه السلام-، والحجارةُ لا تلينَ قطُّ، ثم فَضَّلَ الحجارةَ على القلب القاسي فقالَ:

{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} قيل: أراد به جميعَ الحجارةِ وقيل: أرادَ به الحجرَ الذي كان يضربُ عليه موسى للأسباط.

{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ} أراد به عيونًا دون الأنهار.

{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ} ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله.

{مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقلوبُكم لا تَلينُ ولا تخشعُ يا معشر اليهود، فإن قيل: الحجرُ جمادٌ لا يفهم، فكيف يخشى؟ قيل: اللهُ يُفهمها ويُلهمها فتخشى بإلهامه، ومذهبُ أهلِ السُّنةِ أن لله علمًا في الجمادات وسائرِ الحيوانات سوى العقلاء، لا يقف عليه غيرُه، فلها صلاةٌ وتسبيحٌ وخشيةٌ، قال الله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤]، وقال: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: ٤١] وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [الحج: ١٨]، فيجبُ على المرء الإيمانُ به، ويَكِلُ العلمَ إلى الله عزَّ وجلَّ.

{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وعيدٌ وتهديدٌ. قرأ ابنُ كثيرٍ: (يَعْلَمُونَ) بالغيب.

والباقون بالخطاب مناسبًا بقوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} (١).


(١) انظر: "الحجة" لأبي زرعة (ص: ١٠١)، و"السبعة" لابن مجاهد (ص: ١٦٠)، و"الغيث" للصفاقسي (ص: ١٢٠)، و"الكشف" لمكي (١/ ٢٤٨)، و"تفسير البغوي" (١/ ٦٧)، و"الكشف" للزمخشري (١/ ٧٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢١٧)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: =