ومن زعم أن إسحق هو الذبيح، فيقول: كان موضع الذبح بالشام على ميلين من إيلياء، وهي بيت المقدس، وزعمت اليهود أنه كان على صخرة بيت المقدس، فأراد الشيطان فتنتهم، فجاء أم الغلام على صورة رجل، فقال: تدرين أين ذهب بابنك؟ قالت: ذهب به يحتطب، قال: لا والله ما ذهب به إلا ليذبحه، قالت: كلا، هو أرحم به، وأشد حبًّا له من ذلك، قال: زعم أن الله أمره بذلك، قالت: فإن أمره بذلك، فقد أحسن أن يطيع ربه، فأتى الابنَ فقال: تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال: يحتطب، قال: لا والله ما يريد إلا ذبحك، قال: ولم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قال: فليفعل ما أمره به، فسمعًا وطاعة، ثم جاء الأبَ فقال: أين تريد؟ فقال: هذا الشعب لحاجة، قال: أرى الشيطان قد جاءك منامًا، فأمرك بذبح ابنك هذا، فعرفه، فقال: إليك عني يا عدو الله، فوالله لأمضين لأمر ربي، فرجع إبليس بغيظه، لم يصب من إبراهيم وأهله شيئًا مما أراد.
وروي أن إبليس عرض لإبراهيم بهذا المشعر، فسابقه فسبقه إبراهيم، ثم ذهب إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الكبرى، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى إبراهيم -عليه السلام- لأمر الله تعالى، ومنه شُرع رمي الجمار في الحج، وهو من واجبات الحج، يجب بتركه الفدية باتفاق الأئمة. ولما عزما على الذبح، قال: يا أبتاه! اشدد وثاقي لئلا أضطرب، واجمع عليك ثيابك لئلا يصيبها دمي، واستحد شفرتك، وأسرع مَرَّها على حلقي، فهو أهون علي، وسلم على أمي، واردد عليها قميصي؛ فهو أسلى لها، فقال: