للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استواء يليق بعظمته بلا كيف، وهذا من المشكل الذي يجب عند أهل السنة على الإنسان الإيمان به، ويكل العلم فيه إلى الله -عز وجل-، وسئل الإمام مالك -رضي الله عنه- عن الاستواء، فقال: الاستواء معلوم -يعني: في اللغة-، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وسئل الإمام أحمد -رضي الله عنه- عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥]، قال: هو كما أخبر، لا كما يخطر للبشر.

وقال (٢/ ٢٣٢) في قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤)}: مصدر معناه التأكيد، يدل على بطلان قول من يقول: خلق بنفسه كلامًا في شجرة، فسمعه موسى، بل هو الكلام الحقيقي الذي يكون فيه المتكلم متكلمًا. وكلام الله تعالى للنبي موسى دون تكييف ولا تحديد، فإنه سبحانه موجود لا كالموجودات، معلوم لا كالمعلومات، فكذلك كلامه لا كالكلام (١).

إلا أن المؤلف -رحمه الله- لم يَسر على الجادة نفسها، فوقعت منه بعض المخالفات لِمَا التزمه من حكاية مذهب السلف، ومن ذلك قوله (٥/ ٥٠٨) في قوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢)} [الصافات: ١٢]، على قراءة من قرأ بضم التاء من قوله: {عَجِبْتَ}: والتعجب من الله ليس كالتعجب من الآدميين؛ لأنه من الناس إنكار وتعظيم، ومن الله قد يكون بمعنى الإنكار والذم، وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا. ثم قال: وهي عبارة عما يظهره الله تعالى في جانب المتعجب منه من التعظيم أو التحقير، حتى يصير الناس متعجبين منه (٢).


(١) وانظر أمثلة أكثر على ذلك: (١/ ١٣٣، ١٦٢، ١٩٤)، (٢/ ٣١٩)، (٦/ ٤٦).
(٢) والتحقيق في هذا: أن نسبة التعجب إليه -سبحانه وتعالى- كنسبة سائر الصفات =

<<  <  ج: ص:  >  >>