الحجرُ أنفَ البيضةِ، فخالط دماغَه، وخرجَ من قفاه، وقتل من ورائِه ثلاثين رجلًا، وهزمَ الله الجيشَ، وخرَّ جالوتُ قتيلًا، فأخذه يجرُّهُ (١) حتى ألقاه بين يَدَيْ طالوتَ، ففرحَ المسلمون فرحًا شديدًا، وانصرفوا إلى المدينةِ سالمين، ثم بعد ذلك ماتَ أَشموئيل وله اثنتان وخمسون سنةً، فدفنه بنو إسرائيلَ في الليل، وناحوا عليه، وقبرُه بقريةٍ ظاهر بيتِ المقدسِ من جهةِ الشَّمالِ على الطريقِ السالكِ إلى رملةِ فلسطينَ على رأسِ جبلٍ، وهو مشهورٌ، واسمُ القرية عند اليهود رامةُ، وأهل الإسلام يسمونها باسم النبيِّ المشارِ إليه، وتزوج داودُ ابنةَ طالوتَ، وأحبَّهُ الناسُ، ومالوا إليه، فحسدَه طالوتُ، وقصدَ قتلَه مرةً بعد أخرى، فهرب داودُ منه، وبقي داودُ متحرِّزًا على نفسِه، ثم ندمَ طالوتُ على ما كان منه من قصدِ قتلِ داودَ، وتابَ إلى الله، ثم إن طالوتَ قصدَ الفلسطين للغزاة، وقاتلَهم حتى قُتل هو وأولادُه، وانتقل الملكُ إلى داودَ -عليه السلام-.
{وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} يعني: النبوةَ، ولم تجتمع السلطنةُ والنبوةُ لأحدٍ قبلَ داودَ، بل كانَ الملْكُ في سبط، والنبوةُ في سبط.
{وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} من صنعةِ الدروع، فكان يصنعُها ويبيعها، ولا يأكلُ إلا من عمل يده، ومنطقِ الطيرِ والصوتِ الطيبِ والألحانِ، فلم يُعْطِ اللهُ أحدًا من خلقِه مثلَ صوته، كان إذا قرأ الزبورَ، تدنو الوحوشُ حتى يؤخذَ بأعناقها، وتُظِلُّه الطير، ويركدُ الماءُ الجاري، ويسكنُ الريح، وسيأتي ذكرُ داود -عليه السلام- ووفاتُه في أواخر سورة النساء -إن شاء الله