للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"المسجِدَ الأَقْصى"، قلتُ: كَمْ بينَهما؟ قالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ؛ فَإِنَّ الفَضْل فيهِ" (١).

وقد رُوي أن الملائكةَ بنوا المسجدَ الحرامَ قبلَ خلقِ آدمَ بألفي عامٍ، فكانوا يحجُّونه.

قال الإمامُ أبو العباسِ القرطبيُّ: يجوزُ أن يكونَ بناهُ يعني: مسجدَ بيتِ المقدسِ الملائكةُ بعدَ بنائها البيتَ بإذنِ الله تعالى (٢).

وقد رُوي أن أولَ من بنى مسجدَ بيتِ المقدس وأُرِيَ موضعَه يعقوبُ بنُ إِسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهم السلام، روي أن أباه إسحاقَ أمرَه ألَّا ينكحَ امرأةً من الكنعانيين، وأمره أن ينكحَ من بناتِ خاله، وكان مسكنُ يعقوبَ بالقدس، فلما توجَّه إلى خاله لينكحَ ابنتَهُ، أدركه الليلُ في بعض الطريق، فبات متوسِّدًا حجرًا، فرأى فيما يرى النائمُ أن سُلَّمًا منصوبًا إلى بابٍ من أبوابِ السماء، والملائكةُ تعرُجُ فيه وتنزلُ، فأُوحى الله تعالى إليه: إني إلهكَ وإلهُ أبيكَ (٣) إبراهيمَ، وقد وَرَّثتكَ هذه الأرضَ المقدسةَ لكَ ولذريَّتِكَ من بعدِك، وباركتُ فيكَ وفيهم، وجعلتُ لكم الكتابَ والحكمَ والنبوةَ، ثم أنا معكَ أحفظُك حتى أردَّكَ إلى هذا المكان، فاجعلْه بيتًا تعبدُني فيه أنتَ وذريتُكَ (٤).

وقد تأولَ بعضُ العلماءِ معنى الحديثِ الشريفِ الواردِ أن بناءَ المسجدِ


(١) رواه البخاري (٣١٨٦)، كتاب: الأنبياء، باب: {يَزِفُّونَ}، ومسلم (٥٢٠)، في أول كتاب: المساجد ومواضع الصلاة.
(٢) انظر: "تفسير القرطبي" (٤/ ١٣٨).
(٣) في جميع النسخ "آبائك"، والمثبت هو الصواب.
(٤) انظر: "تفسير البغوي" (١/ ٣٨٤).