{مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} من تأديبِ الكلابِ للصيدِ.
{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} المعنى: إن الجارحةَ إذا خرجَتْ بإرسالِ صاحِبها، فقتلتِ الصيدَ، كانَ حلالًا إذا كانتْ معلَّمَةً، والمعلَّمَةُ: هي التي إذا أُرسلت، استرسلَتْ، وإذا زُجرت، انزجرتْ، وإذا أمسكَتْ، لم تأكلْ، فإذا وُجدَ ذلكَ منها، فهي معلَّمَةٌ، وبه قالَ أبو حنيفةَ والشافعيُّ وأحمدُ، وقال مالكٌ: لا يُشترط تركُ الأكل إذا كانَ معلَّمًا، فيحلُّ أكلُ ما صادَهُ، وإن أكلَ منهُ الكلبُ والبازي.
واختلفَ مشترطو تركِ الأكلِ في حدِّ التعليم، فقالَ أبو حنيفةَ: لا تأقيتَ فيه، فمتى قالَ أهلُ الخبرة: هذا معلَّمٌ، حَكَمْنا بكونه معلَّمًا، وقال الشافعيُّ: إذا تكررَ ذلكَ منها مرارًا؛ بحيث يظَنُّ تأدُّبُ الجارحةِ، كانت معلَّمَةً، وقال أحمدُ: لا يُشترطُ التكرار، فإذا أمسكَ ولم يأكلْ، صارَ معلَّمًا. واختلفوا في جوازِ الاصطيادِ بالكلبِ الأسودِ البهيمِ، وهو ما لا بياضَ فيه، فمنع منه أحمدُ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ"(١)،
وأجازه الثلاثةُ، وأباحوا أكلَ ما قَتَل.
واختلف أيضًا مشترطو تركِ الأكلِ في ذي المخلبِ؛ كالبازي والصقرِ ونحوهما، هل يُشترطُ فيها تركُ الأكل كالكلبِ والفهدِ؟ فقال الشافعيُّ: يُشترطُ، وقال أبو حنيفةَ وأحمدُ: لا يُشترطُ.
واختلفوا في اشتراطِ الجرحِ في الصيدِ، فقال الثلاثةُ: لا بدَّ أن يجرح،
(١) رواه مسلم (٥١٠)، كتاب: الصلاة، باب: قدر ما يستر المصلي، عن أبي ذر -رضي الله عنه-.