للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلم بدعوةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما لم يعلمْهُ غيرُه، فما كتبَ شيئًا من ذلك، إلا لعلَّةٍ لطيفةٍ، وحكمةٍ بليغة.

وفي خط المصحفِ عجائبُ وغرائبُ تحيرتْ فيها عقولُ العلماء، وعجَزَتْ عنها آراءُ الرجال البلغاء، والله الموفق.

وأجمعتِ الأمةُ المعصومةُ من الخطأ على ما تضمَّنته هذهِ المصاحفُ المنسوخةُ بأمرِ عثمان -رضي الله عنه-، وتركِ ما خالفَها من زيادةٍ ونقصٍ، وإبدالِ كلمةٍ بأخرى؛ مما كان مأذونًا فيه توسعةً عليهم، ولم يثبت عندَهم ثبوتًا مستفيضًا أنه من القرآن.

وجُرِّدت هذه المصاحفُ جميعها من النقط والشكل؛ ليحتملَها ما صحَّ نقلُه، وثبتتْ تلاوتُه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ كانَ الاعتمادُ على اللفظ لا على مجرَّدِ الخطِّ، وكان من جملةِ الأحرفِ السبعةِ التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "أُنْزِلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" (١)، فكتبت المصاحف على اللفظ الذي استقرَّ عليه في العَرْضَةِ الأخيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يعرضُ القرآنَ على جبريلَ -عليه السلامُ- في كل عام مرةً، فعرض عليه القرآنَ في العام الذي قُبض فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين، ونُسخ منه، وغُيِّرَ فيه في العرضةِ الأخيرة، واستقرَّ منه ما كُتب في المصاحف العثمانية.

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: لو وَلِيتُ في المصاحف ما وَلِيَ عثمانُ، لفعلتُ كما فعل (٢).


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (٢/ ٤٢)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٣٩/ ٢٤٣ - ٢٤٤).