للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أرجحِ الأقوال، في ليلةِ الجمعةِ ليلة عاشوراءَ لمضيِّ ألفٍ وإحدى وثمانين سنةً من الطوفانِ، وكان الطوفانُ بعدَ هبوط آدمِ بألفين ومئتين واثنتين وأربعين سنة، وبين مولد إبراهيم عليه السلام والهجرةِ النبويةِ المحمدية على صاحبها أفضلُ الصلاة والسلامِ ألفانٌ وثمانُ مئةٍ وثلاثٌ وتسعون سنةً على اختيار المؤرخين، والاختلافُ في ذلك كثير، وتقدَّمَ ذكرُ وفاتِه وقدرُ عمرِه ومحلُّ قبرِه في سورة البقرة عندَ تفسيرِ قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [الآية: ١٢٤]، وكانت تفتقدُه في الغارِ، فتجده يغتذي بأن يمصَّ أصابعَه فيخرجُ منها عسلٌ وسمنٌ ونحوُ هذا، وكان يشبُّ شبابًا لا تشبُّهُ الغلمانُ، يومُه كالشهر، وشهرُه كالسنة، ولم يمكثْ في الغار إلَّا خمسةَ عشرَ شهرًا، وتكلَّم فقالَ لأمِّهِ يومًا: من ربي؟ قالت: أنا، قال: فمن ربك؟ قالت: أبوك، قال: فمن ربُّ أبي؟ قالت: نمرود قال: فمن ربُّ نمرود؟ قالت له: اسكتْ، فسكتَ فرجعَتْ إلى زوجِها، فقالت له: أرأيتَ الغلامَ الذي كنا نتحدَّثُ به أنه يغيرُ دينَ أهلِ الأرض؟ فإنه ابنُك، ثم أخبرتْه بأمره ومكانِه، فأتاه ونظرَهُ وفرَح به، فقال له إبراهيم: يا أبتاهُ! من ربي؟ فقالَ: أمك، قال: من ربُّ أمي؟ قال: أنا، قال: فمن ربُّكَ؟ قال: النمرود، قال: فمن ربُّ النمرود؟ فلطمَه لطمةً، وقال له: اسكتْ، فذلكَ قولُه عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: ٥١]، ثم إن إبراهيمَ قال لأمه يومًا: أخرجيني من الغارِ، فأخرجَتْه عشيًّا، فلما خرجَ نظرَ وتفكَّر في خلقِ السمواتِ والأرض، ثم قال: إن الذي خلقني ورزقَني ويطعمُني ويسقيني لَرَبِّي، ما لي إلهٌ غيرهُ، ثم نظر إلى السماء فرأى كوكبًا، قيل: إنه الزُّهرة، وقيلَ: المشتري (١).


(١) انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٧٧٦).