للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(٢٥٥٣) وقال في كتاب الطلاق من «أحكام القرآن»، وفي «الإملاء على مسائل مالك»: ولمّا حَكَم اللهُ على الزَّوْجِ يَرْمِي المرْأةَ بالقَذْفِ، ولم يَسْتَثْنِ أن يُسَمِّيَ مَنْ يَرْمِيهَا به أو لم يُسَمِّه، ورَمَى العَجْلانيُّ امْرأتَه بابْنِ عَمِّه أو ابْنِ عَمِّها شَرِيكِ ابن السَّحْماء، وذَكَرَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه رآه عليها، وقال في الطلاق من «أحكام القرآن»: فالْتَعَنَ ولم يُحْضِرْ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المرْمِيَّ بالمرأةِ .. اسْتَدْلَلْنا (١) على أنّ الزَّوْجَ إذا الْتَعَنَ لم يَكُنْ على الزَّوْجِ للذِي قَفَاه بامْرَأتِه حَدٌّ (٢)، ولو كان له لأخَذَه له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولبَعَثَ إلى المرْمِيِّ فسَألَه، فإنْ أقَرَّ حُدَّ، وإنْ أنكَرَ حُدَّ له الزَّوْجُ، وقال في «الإملاء على مسائل مالك»: فسَألَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- شَرِيكًا فأنْكَرَ، فلم يُحَلِّفْه ولم يَحُدَّه بالْتِعانِ غَيْرِه، ولم يَحُدَّ العَجْلانيَّ القاذِفَ له باسْمِه (٣).


(١) كذا في ز، وفي ظ س: «فاستدللنا»، وفي ب: «واستدللنا»، وهو جواب «لما» كيفما كان.
(٢) كذا في هامش س «قفاه»، وهو كذلك يبدو لرأي العين في ز ب وإن كانت الحروف فيهما خالية عن النقط، ومعناه كما في «تهذيب اللغة» للأزهري (مادة: قفو): رماه بأمر قبيح، وبنحوه فسره الروياني في «البحر» (١٠/ ٣٤٧)، ويمكن قراءته في ز ب: «رماه»، ومعناه ظاهر، وفي ظ ما يشبه ظاهره: «نناه»، ويمكن قراءته على أنه «قفاه»، وقد تقرأ الحرف الأول زايًا فيكون «زَنّاه»، وكذلك قرأته وإن كان الزاي منه ملتصقًا بالنون فيما يبدو للعين، ومعنى «زنّاه»: نسبه للزنا كما في «المصباح» للفيومي، وفي أصل س: «قذفه»، وكيفما كان الحرف فالمعنى واحد، وذلك من سعة كلام العرب.
(٣) هذا النص فيه عدة وقفات:
الوقفة الأولى: حكاية المزني عن الشافعي قال: (رمى العجلاني امرأته بشريك بن السحماء)، قال أبو حامد الإسفراييني: «أن المزني غلط على الشافعي في هذا النقل، وأن هلال بن أمية هو الذي قذف زوجته بشريك بن السحماء، دون العجلاني، وقد حكاه الشافعي في (أحكام القرآن) عن هلال بن أمية»، كذا قال وحكاه عنه الماوردي في «الحاوي» (١١/ ٦٨) مقررًا، لكن البيهقي ذكره في «معرفة السنن» (١١/ ١٥٦) عن الشافعي نحو رواية المزني، فلا غلط على الشافعي، وأما الحديث نفسه .. فقال البيهقي: «ليس في حديث سهل أنه رماها بشريك بن سحماء ولا بغيره مسمى بعينه، إلا أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن جاءت به كنعت كذا فلا أحسبه إلا قد صدق عليها) دليل على أنه رماها برجل بعينه، وإن لم يسم في حديثه، وعندي أن الشافعي رحمه الله ذهب في هذه الأحاديث إلى أنها خبر عن قصة واحدة، ومن يفكر فيها وجد فيها ما يدله على صحة ذلك، ثم اعتمد على حديث سهل بن سعد الساعدي في تسمية القاذف بعويمر العجلاني؛ لفضل حفظ الزهري على حفظ غيره، ولأن ابن عمر قال في حديثه: (فرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أخوي بني العجلان)، وفيه إشارة إلى من سماه سهل بن سعد الساعدي، فكان ذلك عنده أولى من رواية عكرمة عن ابن عباس ورواية هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أنس في تسمية القاذف بهلال بن أمية، ثم وجدهما سميا المرمي بالمرأة ولم يسمه سهل، فذهب في تسمية المرمي بالمرأة إلى روايتهما، وفي تسمية الرامي إلى رواية سهل وابن عمر».
الوقفة الثانية: ما ظهر من اختلاف النقل فيها؛ لأن الشافعي قال في كتاب الطلاق من «أحكام القرآن»: «ولم يحضر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المرمي بالمرأة»، وقال في «الإملاء على مسائل مالك»: «وسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- شريكًا فأنكر»، فصار ظاهر هذا النقل مختلفًا، ومن دقة المزني في النقل التمييز بين النصين في هذا الحرف مع جمعه بين الكتابين فيما قبل ذلك، قال الماوردي في «الحاوي» (١١/ ٦٨): «وللشافعية عن هذا الاختلاف جوابان: أحدهما - أنه ليس في هذا النقل خلاف مستحيل؛ لأن قوله: (لم يحضر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شريكًا)؛ يعني: وقت اللعان، وقوله: (وسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شريكًا)؛ يعني: وقت وضع الولد على شبهه لقوة الشبهة في صحة قذفه، فلم يمتنع ذلك ولم يستحل، والجواب الثاني - أن الشافعي أخذ عن الواقدي أو من كتابه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحضر شريكًا ولا سأله، فذكره الشافعي في (أحكام القرآن) وفرَّعَ عليه، ثم سمع من غير الواقدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحضر شريكًا أو حضر فسأله فأنكر فذكره في (الإملاء على مسائل مالك) وفرع عليه، ولم يرجع عما أخذه عن الواقدي؛ إما لأنه لم يقطع بصحة أحد النقلين، وإما لأن يبين حكم كل واحد من النقلين، وإما لسهوه عن الأول؛ لتشاغله بالمستقبل، فكان هذا سبب ما اختلف فيه نقله، والله أعلم».
الوقفة الثالثة: اختلف النقل عن الشافعي في أن الزوج إذا قذف زوجته بمعين سماه ثم لاعن ولم يسمِّه في اللعان، هل يسقط عنه حد المقذوف بزوجته؟ والذي يقتضيه ظاهر نقل «المختصر» عن «الإملاء» و «أحكام القرآن» أنه يسقط، والأظهر: لا يسقط، ويحكى عن «الأم». انظر: «العزيز» (١٥/ ٦٧٨) و «الروضة» (٨/ ٣٤٤).
الوقفة الرابعة: لا يختلف قول الشافعي بأن اللعان لا يوجب الحد على الرجل المرمي بالزنا بحال، لكن جاء في هامش نسخة س مصححًا ملحقًا بسواد الكتاب: «قال المزني: القياسُ أن يُحَدَّ المقْذُوفُ بها، وكذلك المحْرِمُ يَطَأ امْرَأتَه مُطاوِعَةً أنّ عليهما كفّارَتَيْن، وكذلك الصّائمُ يَطَأ امْرَأتَه صائمةً أنّ عليهما كفّارَتَيْن، إذا كانا مُطاوِعَيْن».