فخالَفْتُم في ذلك عُمَرَ، فلا أنْتُم أخَذْتُم بكُلِّ حُكْمِه، ولا تَرَكْتُمُوه، ونَحْنُ نَرْوِي عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بالإسْنادِ الصَّحِيحِ أنّه بَدَأ في القَسامَةِ بالمدَّعِين، فلمّا لم يَحْلِفُوا قال:«تُبْرِئكُمْ يَهُودُ بخَمْسِين يَمِينًا»، وإذْ قال:«تُبْرِئكُم يهودُ» فلا يَكُونُ عليهم غُرْمٌ، ويُرْوَى عن عُمَرَ أنّه بَدَأ بالمدَّعَى عليهم، ثُمّ رَدَّ الأيْمانَ على المدَّعِين، وهذان جميعًا يُخالِفان ما رَوَيْتُم عنه، وقد أجَزْتُم شَهادَةَ أهْلِ الذِّمَّةِ، وهم غَيْرُ الذين شَرَطَ اللهُ أن تَجُوزَ شَهادَتُهم، ورَدَدْتُم سُنَّةَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في اليَمِينِ مع الشّاهِدِ، قال: إنّا (١) أجَزْنا شَهادَةَ أهْلِ الذِّمَّةِ؛ لقَوْلِ الله تبارك وتعالى:{أو آخران من غيركم}[المائدة: ١٠٦]، قلتُ: سَمِعْتُ مَنْ أرْضَى يَقُولُ: «مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُم مِنْ المسْلِمِين»، ويَحْتَجُّ بقَوْلِ الله عز وجل:{تحبسونهما من بعد الصلاة}[المائدة: ١٠٦]، قلتُ: والمنَزَّلُ فيه هذه الآيةُ رَجُلٌ مِنْ العَرَبِ، فأجِزْ شَهادَةَ مُشْرِكِي العَرَبِ بَعْضِهم على بَعْضٍ، قال: لا، إلّا شَهادَةَ أهْلِ الكِتابِ، قلتُ: فقال قائلٌ: لا، إلّا شَهادَةَ مُشْرِكِي العَرَبِ، فما الفَرْقُ؟ وقلتُ له: أفَتُجِيزُ اليَوْمَ شَهادَةَ أهْلِ الكِتابِ على وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ كما زَعَمْتَ أنّها في القُرآنِ؟ قال: لا؛ لأنّها مَنْسُوخَةٌ، قلتُ: بماذا؟ قال: بقَوْلِ الله تبارك وتعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم}[الطلاق: ٢]، قلتُ: فقد زَعَمْتَ بلِسانِكَ أنّك قد خالَفْتَ القُرآنَ؛ إذْ لم يُجِز اللهُ إلّا مُسْلِمًا، فأجَزْتَ كافِرًا.
(٣٧٨٢) وقال لي قائل: إذا نَصَبَ اللهُ حُكْمًا في كِتابِه، فلا يَجُوزُ أن يَكُونَ سَكَتَ عنه وقد بَقِيَ منه شَيْءٌ، فلا يَجُوزُ لأحَدٍ أن يُحْدِثَ فيه ما ليْسَ في القُرآنِ، قلتُ: قد نَصَبَ اللهُ الوُضُوءَ في كِتابِه، فأحْدَثْتَ فيه المسْحَ على الخفَّيْن، ونَصَبَ ما حَرَّمَ مِنْ النِّساءِ وأحَلَّ ما وَراءَهُنّ، فقُلْتَ: لا تُنْكَحُ