منع غيره، والوجه الآخر - أن يرى إيطانه أعظمَ لأجره، فنال الثواب بالإيطان. والحجة في ذلك: أن كل موضع في المسجد نظير مِثْلِه، وأن الناس فيه شَرَعٌ، ولولا ذلك كما وصفت إن شاء الله لما جاز للرجل أن يصلي مرارًا متوالية في مكان واحد في المسجد ليس فيه غيره، ولا من يؤذيه بالصلاة فيه، ولَمَا جاز أن يجعل الرجل في منزله قبلة يوطن الصلاة فيها، وفي ذلك دليل على ما قلنا، وبالله التوفيق.
(٢٦) ومنها: أن مَخْلَد بن خُفَاف قال: إن عبدًا كان بين شركاء فباعوه ورجلٌ من الشركاء غائبٌ، فلما قدم أبَى أن يجيز، فاختصموا في ذلك إلى هشام بن إسماعيل، فقضى أن يرد العبد ويتبعه القوم فيؤخذ منه الخراج، فوجد الخراج فيما مضى من السنين ألف درهم، قال: فبيع غلامان لي، قال: فجئت عروة بن الزبير، فذكرت ذلك له، فقال: حدثتني عائشة أن رسول الله قال: «الخراج بالضمان»، قال: فدخل عروة على هشام فحدثه ذلك، فرَدّ بيع الغلامين ورَدّ الخراج.
قال المزني: وروى الشافعي أن مخلد بن خفاف ذكر لعروة في عبد ابتاعه فأصاب به عيبًا فقُضِي عليه برَدِّه ورَدِّ غلته، فقال عروة: قضى رسول الله في مثل هذا أن الخراج بالضمان، وهو الذي روى الحديث عن عائشة، وفيه زيادة قوله:«في مثل هذا»، وهو البيع الحلال الذي مَلَكَه المشترِي فحدثت الغَلَّة في مِلْك المشتري عما اشترى، لم يكن ذلك في ملك البائع قط، فلما أصاب به عيبًا رده لأنه المشتَرَى، ولم يرد غلتَه لأنها لم تُشْتَرَا [كذا]، وملكه كان حِلًّا، فما اكتسب ملكُه الحلَّ كان مثله حلًّا، ومن ذلك يشتري غصبًا أو غصب رجل عبدًا أو اشترى شراءً فاسدً، فلم يَمْلِك شيئًا من ذلك، فيَمْلِكَ غلته، فعليه رَدُّه ورَدُّ غلَّتِه؛ لأنه في ملك غيره.