قال المزني: يحتمل هذا وجوهًا: منها - أن يكون هذا كان جائزًا قبل أن يقول عليه السلام في اشتراط سادة بريرة على عائشة بأن الولاء لهم:«ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟! من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل»، ومعنى من أعتق .. أن له الولاءَ، ومعنى من ملك بعيرًا .. أن له الظهرَ، فيكون ما قال جابر منسوخًا، ويكون ما أبان رسول الله من فساد الشرط ناسخًا، ومنها - أن يكون وعد جابرً على غير عقدٍ، فإن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، ومنها - أن لا يكون وعد، وكان الشِّرى مطلقًا، ولا وعد قبل ذلك، فلما اشترى رسول الله تفضل بظهره على جابر، ولا أعلم خلافًا بين المسلمين أن مَنْ ملَكَ بعيرًا أن له ركوبَه وبيعَه وإكراءَه، وأنه لا يجوز أن يشترط مَنْعَه مما له في عُقْدة الشِّرى، وفي ذلك دليل على أحد الوجوه التي وصفنا، وبالله التوفيق.
(٢٨) ومنها: ما روي عن جابر، قال: كان لنا فضول أرض، فقال لنا رسول الله:«من كان له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، أو ليدع».
قال المزني: يحتمل ما احتمل حديث أسامة عن النبي صلى الله عليه: «إنما الربا في النسيئة»، سُبق بالمسألة وسَمِع الجواب، فقد يحتمل أن يكون النبي سُئل عن المخابرة التي كانوا يفعلونها، فقال النبي:«من كان له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، أو ليدع»، يقول النبي: تَرْكُها خير من أن يخابرها؛ لأن المخابرة إكْرَى الأرض عندنا ببعض ما يخرج منها، فيكون كراءً فاسدً وغررًا مجهولًا، فنهى النبي عن ذلك، والدليل على ذلك: أن رافعًا روى أن النبي صلى الله عليه نهى عن إكراء الأرض، قيل له: أبالذهب والورق؟ فقال: لا، وهذا جواب عن رسول الله صلى الله عليه، وقد أجاز العلماء كِرَى الدور، والأرضين [كذا] مثلها في القياس.