(٢٩) ومنها: ما روي عن عبدالله بن الديلمي، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه برأس الأسود العَنْسي الكذاب، فقلنا: يرسول الله، قد علمت مَنْ نحن؟ ومِن أين نحن؟ فإلى مَنْ نحن؟ قال:«إلى الله وإلى رسوله»، فقلنا: يرسول الله، إن لنا أعنابًا فما نصنع بها؟ قال:«زبِّبُوها»، قلنا: فما نصنع بالزبيب؟ قال:«انبذوه على غدائكم، واشربوا على عشائكم، وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم، وانبذوا في الشِّنان، ولا تنبذوا في القِلال؛ فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلًّا».
قال المزني: ليس في قوله: «انبذوا على غدائكم واشربوه على عشائكم، وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم» إيجاب تحريم شربه بعد ذلك وهو حلو لأنه يسكر، ولو كان إنما هو على صفة ما وصف في اللفظة، ويحرم ما خرج من اللفظة، لحرم أن نشربه على غداء ولا عشاء، ولا يحل أبدًا إلا على غداء أو عشاء، فلما كان حلًّا على غير غداء وعشاء دلّ على أنه لم يحرم ما خرج من الصفة، ولمّا كان تحريم النبي صلى الله عليه النبيذ إذا أسكر كثيره كانت علة تحريمه إسكار. وقد يجوز أن يكون قرب ما وصف من نبيذ شربه على الغداء والعشاء يجوز من أن يمهل ذلك إلى الشدة، فيدخل في حد التحريم، فاحتاط بما لا إشكال فيه أنه لا يتغير عن حله لقرب الوقت من صنعه، وبالله التوفيق.
(٣٠) ومنها: ما روي عن رافع بن خَديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه: «أفطر الحاجم والمحتجم»، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«كسب الحجام خبيث، ومهر البغي خبيث، وثمن الكلب خبيث».
قال المزني: يحتمل وجوهًا: منها - أن يكون الحاجم والمحجوم منافقين فأفطرا، فأعلَمَ رسولُ الله أصحابَه بهما بوحي الله جل وعز بإعلامه