فكان أبو إسحاق المروزي يقول: هذا غلط من المزني، أو سهو في النقل؛ لأنه إذا كان أقطع الذراعين من المرفقين لزمه غسل المرفقين، ولم يسقط عنه الفرض فيهما. وقال أبو علي بن أبي هريرة: جواب المزني صواب، ونَقلُه صحيح، وإنما غُلِط عليه في التأويل، ومراده بقوله: «من المرفقين»؛ أي: من فوق المرفقين، فحذف ذلك اختصارًا، واكتفى بفهم السامع. ومن أصحابنا من جعل المسألة على قولين: أحدهما - وهو القديم ومنقول المزني -: أنه لا يجب غَسْل الباقي؛ لأن الغرض بغَسل المرفق ما فيه من عظم الساعد، وهو المقصود بالغَسل، ولكن لا يتأتى غسلُ ما يحاذيه من البَشرة إلا بغسل جميع المرفق، فإذا سقط عَظمُ الساعد، فقد سقَط المقصود، فسقط التابع. والثاني - الجديد ومنقول الربيع -: أنه يجب. قال إمام الحرمين: «والوجه: القطع بإيجاب غسل ما بقي». وقال النووي بأنه المذهب. انظر: «الحاوي» للماوردي (١/ ١١٣)، و «النهاية» لإمام الحرمين (١/ ٧٦)، و «العزيز» للرافعي (١/ ٤٠٥)، و «الروضة» (١/ ٥٢)، و «المجموع» (١/ ٤٢٧). فائدة: ورد في هامش س ما نصه: «قال شيخ الإسلام سراج الدين في «ترتيب الأم»: نقل جمع من الأصحاب عن نص «الأم»: أنه إذا نبتت يد زائدة من العضد أو الكتف، وحاذى منها شيء محل الفرض .. أن المحاذِيَ وحده يجب غسله، دون ما فوقه. قال: وهذا الذي نقلوه عن نص «الأم» لم أقف عليه، ونقله آخرون عن النص من غير نسبة إلى «الأم»، واعتمد عليه جمع كثير من الأصحاب، وفي المسألة وجه آخر: أنه لا يجب غسل شيء من هذه اليد النابتة في غير محل الفرض، وصار إلى اختياره جماعة، والمعتمد في المذهب الأول. وعندي وجه آخر، وهو أنه يجب غسل هذه اليد مع مرفقيها وإن لم يحاذ شيء منها الأصلية؛ لدخوله في قول الله تعالى: (وأيديكم إلى المرافق)، والنادر يدخل في هذا الخطاب، وقد جزموا فيمن خُلق له وجهان بأنه يجب غسلهما، فكذلك صاحب اليدين، وإن تميزت الزائدة من الأصلية، فنبتت الزائدة في غير محل الفرض، ونصوص الشافعي في «الأم» وغيرها في إيجاب غسل اليدين قد تشهد (لقدم) إيجاب غسل اليد الزائدة النابتة في غير محل الفرض، وقد يقال: إنما ذكر ذلك على الغالب، فإذا جاء النادر غُسل كالغالب، فيستشهد به لما قلنا. وأما إذا لم تتميز الزائدة من الأصلية .. فإنه يجب غسلهما للاحتياط، فليس إحداهما أولى من الأخرى. وأما اليد النابتة في محل الفرض، فاتفقوا على إيجاب غسلها كلها، سواء جاوزت الأصلية أم لم تجاوز، وقضية هذا: أن يغسلها بعضدها لو كان فيها مرفق وعضد، وعندي: إذا كان لها مرفق وعضد لا يجب غسل ما فوق المرفق، فإن قيل: هي نابتة في محل الفرض فيغسل كلها .. قلنا: إنما أمر الله تعالى بغسل اليد مع المرفق، وما فوق ذلك لا يجب غسله في الأصل، فكيف يجب في الزائدة؟! قال: ولم أرَ من تعرض لذلك». انتهى كلام البلقيني، والكلمة بين القوسين هكذا قرأتها: (لقدم).