للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والقول الآخر: لا يُعيد، وإن صَحَّ حديثُ عليٍّ أنه انكسَر إحدى زَنْدَيْه (١)، فأمَرَه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يَمْسَحَ على الجبائر .. قُلتُ به (٢)، وهذا مما أسْتَخِيرُ اللهَ فيه.

قال المزني: أوْلى قَوْلَيْه بالحق عندي أن يُجْزِئَه (٣)، ولا يُعيدُ، وكذلك كلُّ ما عَجَز عنه المصلِّي وفيما رُخِّصَ له في تَرْكِه مِنْ طُهْرٍ وغيرِه، وقد أَجمَعَت العلماءُ - والشافعيُّ معهم - أنْ لا تُعيدَ المستحاضَةُ، والحدَثُ في صَلاتِها دائمٌ، والنّجَسُ قائمٌ، ولا المريضُ الواجِدُ للماءِ ولا الذي معه الماءُ يَخافُ العَطَشَ إذا صلَّيَا بالتيمُّمِ، ولا العُرْيانُ، ولا المسايِفُ يُصلِّي إلى غيرِ القِبْلةِ يُومِئ إيماءً، فقَضى ذلك مِنْ إجماعِهم على طَرْحِ ما عَجَزَ عنه المصلِّي ورفعِ الإعادَةِ، وقد قال: «مَنْ كان معه ماءٌ يُوَضِّئُه في سَفَرِه وخاف (٤) العَطَشَ .. كمن لم يَجِد» (٥).

قال المزني: وكذلك (٦) مَنْ على قُرُوحِه دمٌ يَخافُ إنْ غَسَلها كمن ليس به نَجَسُ (٧).


(١) «الزَّنْدان»: عظمَا الساعِدِ اللذانِ يقال لطرفيهما: الكوع والكُرْسوع. «الزاهر» (ص: ١٢٧).
(٢) لكن الحديث لم يصح، بيَّنَ ذلك البيهقي في «المعرفة» (٢/ ٣٩)، وانظر: «المجموع» للنووي (٢/ ٣٦٨) حيث نقل اتفاق الحافظ على ضعفه، ومدارُه على عمرو بن خالد الواسطي الكذاب.
(٣) كذا في ز ب س، وفي ظ: «أولى بقوله الحق عندي أنه يجزئه».
(٤) كذا في ز ب س، وفي ظ: «ويخاف».
(٥) انظر الفقرة: (٨٦).
(٦) كذا في ز ب، وفي ظ س: «فكذلك».
(٧) هذه المسألة من مُشكِلات المختصر، وينبغي تفصيلها على مراتب:
أولها: المزني صوَّرَ المسألة في الكسير غير المتوضئ، ورواية الربيع في الكسير المتوضئ، والأصحاب ما بين مؤاخِذ للمزني في نقله، ومؤوِّل له على موافقة الربيع، وأن مراده: غير المتوضئ في حال المسح على الجبيرة، وهذا الثاني هو الذي رجحه الماوردي في «الحاوي» (١/ ٢٧٩)، لكن ترجيح المزني أحدَ القولين في صورتي المتوضئ وغيره يدل لغير هذا التأويل، ولم أطلع في ذلك على شيء يشفي الغليل.
وثانيها: سكت المزني عن التيمم بعد غَسْل الصحيح والمسح على الجبيرة، وظاهره أنه لا يتيمم، وهو نص الإمام في القديم، وقال في «الأم» و «البويطي»: يتيمم. فسلك الأصحاب في المسألة طريقين: أصحهما - أنها على قولين، أظهرهما: يتيمم، والطريق الثاني - تنزيل القولين على اختلاف الأحوال، فيتيمم إذا كان ما تحت الجبيرة معلولًا لا يمكن غسله لو كان باديًا، وإن أمكن غسله لو كان باديًا فلا حاجة إلى التيمم. انظر: «العزيز» (١/ ٦٣٩) و «الروضة» (١/ ١٠٥) و «المجموع» (٢/ ٣٧٠).
وثالثها: ظاهر كلام المزني أن قولَيْ إعادة الصلاة وعدمه يَرِدان في صورتَيِ الجبيرة على وضوء أو دونه كما أشرت إليه، ثم رجح ترك الإعادة أيضًا مطلقًا، والأصحاب في ذلك على طرق: أصحها - إن كان وضع الجبيرة على طهر ففي وجوب الإعادة قولان، أظهرهما: لا يعيد، وإن وضعها على غير طهر أعاد قولا واحدًا، وهذا الطريق نص الإمام في «الأم»، وعليه تأول الماوردي كلام المزني كما أشرنا إليه، والطريق الثاني - طرد القولين إن كان وَضَعَها على طهر أو غير طهر، وهذا ظاهر كلام المزني، والطريق الثالث - إن وضعها على طهر لم يُعِدْ في القديم، وفي الجديد قولان، وإن وضع على غير طهر أعاد في الجديد، وفي القديم قولان، وهذا ما مشى عليه القاضي حسين وإمام الحرمين.
انظر: «الحاوي» (١/ ٢٧٩) و «التعليقة» للقاضي الحسين (١/ ٤٤٣) و «النهاية» (١/ ٢٠٢) و «العزيز» (١/ ٧١٤) و «الروضة» (١/ ١٢٢) و «المجموع» (٢/ ٣٧٢).
والمرتبة الرابعة: مذهب المزني أن كل من صلى على حسب ما أُمِر في الوقت، لم يلزمه القضاء أصلًا، وسيأتي تأكيده على هذا المعنى في كتاب الصلاة أيضًا (الفقرتين: ١٧٣ و ٢٨٧)، قال إمام الحرمين (١/ ٢١٠): «وقد أضاف كثير من أئمتنا في الطرق هذا القول إلى الشافعي، وفي كلامه ما يشهد له»، قلت: ولعلهم أرادوا بنسبته للشافعي تخريجه على أصوله، وإلا فهو معارض لنصوصه، قال النووي في «المجموع» (٢/ ٣٧٧): «وهذا الذي قاله المزني هو المختار؛ لأنه أدى وظيفة الوقت، وإنما يجب القضاء بأمر جديد، ولم يثبت فيه شيء، بل ثبت خلافه، والله أعلم».