للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تَكاراها إليه (١) .. فالكراءُ فيه فاسدٌ، مِنْ قِبَلِ أنّي إنْ أثْبَتُّ بينهما شَرْطَهُما ولم أُثْبِتْ على رَبِّ الأرضِ أن يَبْقَى زَرْعُه فيها بعد انْقِضاءِ المُدَّةِ .. أبْطَلْتُ شَرْطَ الزّارِعِ أن يَتْرُكَه حتّى يَسْتَحْصِدَ، وإنْ أَثْبَتُّ له زَرْعَه حتّى يَسْتَحْصِدَ .. أبْطَلْتُ شَرْطَ رَبِّ الأرْضِ، فكان هذا كراءً فاسدًا، ولرَبِّ الأرضِ كِراءُ مِثْلِ أرْضِه إذا زَرَعَ، وعليه تَرْكُه حتّى يَسْتَحْصِدَ.

(١٦٩١) قال الشافعي: وإذا تَكارَى الأرْضَ التي لا ماءَ لها، إنّما تُسْقَى بنَطْفِ سَماءٍ (٢) أو بسَيْلٍ إنْ جاء .. فلا يَصِحُّ كِراؤُها، إلّا على أن يُكْرِيَه إيّاها أرْضًا بَيْضاءَ لا ماءَ لها، يَصْنَعُ بها المسْتَكْرِي ما شاء في سَنَتِه، إلّا أنّه لا يَبْنِي ولا يَغْرِسُ، فإذا وَقَعَ على هذا صَحَّ الكراءُ ولَزِمَه، زَرَعَ أو لم يَزْرَعْ، وإنْ أكْراه إيّاها على أن يَزْرَعَها، ولم يَقُلْ أرْضًا بَيْضاء لا ماءَ لها، وهما يَعْلَمان أنّها لا تُزْرَعُ إلّا بمَطَرٍ أو بسَيْلٍ يَحْدُثُ .. فالكراءُ فاسدٌ.

(١٦٩٢) قال: وإنْ كانت الأرضُ ذاتَ نَهْرٍ مِثلِ النِّيلِ وغيرِه ممّا يَعْلُو الأرضَ على أن يَزْرَعَها زَرْعًا لا يَصْلُحُ إلّا بأنْ تُرْوَى بالنِّيلِ، لا بِئرَ لها ولا مَشْرَبَ غيرُه .. فالكراءُ فاسدٌ.

(١٦٩٣) وإنْ تَكاراها والماءُ قائمٌ عليها، وقد يَنْحَسِرُ لا مَحالَةَ في وقتٍ يُمْكِنُ فيه الزَّرْعُ .. فالكراءُ جائزٌ، وإنْ كان قد يَنْحَسِرُ وقد لا يَنْحَسِرُ .. كَرِهْتُ الكراءَ إلّا بعد انْحِسارِه (٣).


(١) كلمة «إليه» من ب وهامش س، ولا وجود لها في ظ ز.
(٢) «النَّطْفُ»: القطر، يقال: «نَطَفَ ماء السحاب يَنْطُفُ نَطْفًا»: إذا قطر، وكل قاطر ناطف، و «النُّطْفَة»: الماء القليل، وجمعه: نُطَفٌ، وربما قللت العرب ماء البحر فسمته: نُطْفَةً، قال قائل منهم: «قطعنا إليكم نطفة البحر»، وأما «النَّطَف» بفتح النون والطاء .. فهو أن يُدْبَرَ ظهر البعير حتى يَخلُصَ الدَّبَرُ إلى جوفه، فيقال: «نَطِفَ يَنْطَفُ نَطَفًا»: إذا ذوى جوفه منه، ومنه قيل للرجل الذي لا يعف عن الريبة: نَطِفٌ، وللذي أضمر على سخيمة: نَطِفٌ. «الزاهر» (ص: ٣٥٤).
(٣) قالوا: لا تقول العرب: «انحسر الماء عن الشيء»، وإنما تقول: «حسر الماء عنه»، كذلك قال الخليل في «كتاب العين»، أجاب الحمشاذي فقال: كتب إلي أبو العلاء بن كوشاذ الأديب: (يقال في الماء: حسر الماء، وانحسر لغة أخرى أيضا». وقال أبو حامد محمد بن إبراهيم بن موسي المؤدب: «قوله: (ينحسر) يعني: ينكشف». قال البيهقي في «الرد على الانتقاد» (ص: ٦٧): «وذلك بأن تكون الأرض التي تكاراها والماء الصافي قائم عليها عالية يمكن أن تشق حتى ينحسر الماء عنها لا محالة في وقت يمكن فيه الزرع، فيكون الكراء جائرا كما قال الشافعي، وإن كان قد ينحسر ولا ينحسر .. قال الشافعي: كرهت الكراء إلا بعد انحساره».