وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- في كتابه براهينَ ألوهيتِه واستحقاقِه العبادة، فمن هذه البراهين ما دلَّ عليه توحيدُ الربوبية، ولنتأمل في ذلك فاتحة سورة الفرقان: حيث يقول ربنا -سبحانه وتعالى-:
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)}، ثم وَصَفَ اللهُ-تعالى-نفسه، فقال:{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. إذًا هذا الأمر الأول وهو ملك السماوات والأرض، هل من مالك غير الله؟، هل يملك أحدٌ شيئًا غير الله تعالى، ملكًا تامًّا من هذه المعبودات؟ ولهذا قال:{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}، فهذا من ربوبيته سبحانه {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ}، لا أحد يملك مع الله شيئًا {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢)}، إذًا، ذكر لنفسه -سبحانه وتعالى- من الصفات العلا أنه المالك الخالق المدبر لا يملك أحد مع الله شيئا. ثم قال -سبحانه وتعالى-: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} يعني اتخذوا من دون الله آلهة، ما صفاتُها؟ قال الله: {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (٣)} [الفرقان: ٣]. وهذا معروف أنهم لا يملكون. لماذا؟ لأنَّ المالك هو الله -سبحانه وتعالى- أي: المالك على الحقيقية لهذه الأشياء، المالك للخلق والملك والتدبير هو الله -سبحانه وتعالى-. ولهذا يقول ربنا -جل وعلا- في سورة الزمر:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يعني أخبروني عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)} فالنفع والضر بيد الله -سبحانه وتعالى- عقيدةً صحيحةً ثابتةً لا بُدَّ للمسلم أن يؤمن بها.