للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذاتها وأعلى ما يحصل للمؤمن فيهما، فإن أعلى ما في الآخرة النظر إِلَى وجه الله -عز وجل-، وهو أعظم من الجنة وكل ما فيها ا. هـ (١)

وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وهذه اللذة هي النعيم التام في حظهم من الخالق … وأهل الجنة مع كمال تنعمهم بما أعطاهم الله في الجنة، لم يعطهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه، وإنما يكون أحب إليهم لأن تنعمهم وتلذذهم به أعظم من التنعم والتلذذ بغيره. (٢).

[سؤال الله تعالى الشوق إلى لقائه]

وقوله: «وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ» قال ابن القيم -رحمه الله-: الشَّوْقُ يَحْمِلُ الْمُشْتَاقَ عَلَى الْجِدِّ فِي السَّيْرِ إِلَى مَحْبُوبِهِ، وَيُقَرِّبُ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ، وَيَطْوِي لَهُ الْبَعِيدَ، وَيُهَوِّنُ عَلَيْهِ الْآلَامَ وَالْمَشَاقَّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى عَبْدِهِ، وَلَكِنْ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ أَقْوَالٌ وَأَعْمَالٌ هُمَا السَّبَبُ الَّذِي تُنَالُ بِهِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ سَمِيعٌ لِتِلْكَ الْأَقْوَالِ، عَلِيمٌ بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ، وَهُوَ عَلِيمٌ بِمَنْ يَصْلُحُ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ وَيَشْكُرُهَا وَيَعْرِفُ قَدْرَهَا وَيُحِبُّ الْمُنْعِمَ عَلَيْهِ ا. هـ (٣)

والشوق من مراتب المحبة التي تقود إلى تمام العبودية لله وقد بينها ابن القيم -رحمه الله-: -بما حاصله-: أن خاصية التعبّد: هي الحبّ مع الخضوع والذلّ للمحبوب، فمن أحبّ شيئًا وخضع له فقد تعبد قلبه له. والتعبّد آخر مراتب الحبّ، ويقال له التتيّم. فإنّ أول مراتبه: العلاقة، وسميت "علاقة " لتعلّق القلب بالمحبوب. ثم بعدها الصبابة، وسمّيت بذلك لانصباب القلب إلى المحبوب ثم الغرام، وهو لزوم الحبّ للقلب لزومًا لا ينفكّ عنه. ثم العشق، وهو إفراط المحبة. ثم الشوق، وهو سفر القلب إلى المحبوب أحثّ السفر. ثم التتيُّم، وهو آخر مراتب الحبّ، وهو تعبّد المحبِّ لمحبوبه. يقال: تيّمه الحبّ إذا عبّده. ومنه تَيْم الله، أي عَبْد الله. وحقيقة التعبد: الذلّ والخضوع للمحبوب. ومنه قولهم: "طريق معبّد" أي مذلّل قد ذلّلته الأقدام. فالعبد هو الذي ذلّله الحبّ والخضوع لمحبوبه. ولهذا كانت أشرف أحوال العبد ومقاماته هي العبودية، فلا منزل له أشرف منها.


(١) «شرح حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه-» (ص ١٧٩)
(٢) ينظر: «قاعدة جامعة في توحيد الله وإخلاص الوجه والعمل له عبادة واستعانة» (ص ٣٧)
(٣) «زاد المعاد في هدي خير العباد - ط الرسالة» (٣/ ١٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>