للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمجرَّدِ الذِّكْرِ. وأمَّا "القلب" الذي فيه تلك الصفات التي هي مَرْكبه وموطنه، فيقع الذِّكْرُ في حواشيها وجوانبها، ولا يقوى على إخراج العدوِّ. ومصداق ذلك تجده في الصلاة، فتأمَّل الحالَ، وانظر: هل تخْرِج الصلاة وأذكارُها وقراءَتها الشيطانَ من قلبك، وتفرغه كلَّهُ لله تعالى، وتُقِيمُه بين يديه مقبلًا بكُلِّيَّتِهِ عليه، يصلي لله -تعالى- كأنَّه يَرَاهُ، قد اجتمع هَمُّهُ كلُّهُ على الله، وصار ذِكْره، ومراقَبته، ومحبَّتُه، والأُنْسُ به؛ في مَحَلِّ الخواطر والوساوس؛ أم لا؟ فالله المستعان. وهاهنا نكتةٌ ينبغي التفطُّنُ لها، وهي أنَّ القلوبَ ممتلئةٌ بالأخلاط الرديئة. والعباداتُ والأذكارُ والتعوُّذَاتُ أدويةٌ لتلك الأخلاط، كما يثير الدواءُ أخلاطَ البدن، فإن كان قبل الدواء وبعده حِمْيَةٌ نَفَعَ ذلك الدواء، وقَلَعَ الدَّاءَ أو أكثَرَهُ، وإنْ لم يكن قبله ولا بعده حِمْيَةٌ لم يزد الدواء على إثارته، وإن أزال منه شيئًا ما. فمدار الأمر على شيئين: الحِمْيَةِ، واستعمالِ الأدوية ا. هـ (١)

[الملائكة الموكلون بحراسة ابن آدم]

ومن أعمالهم أن الله -جل وعلا- وكل إليهم حراسة ابن آدم قال الله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد].

قال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- "المعقبات": "هم الملائكة جعلهم الله؛ ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه، فإذا جاء قدر الله (الذي قدر أن يصل إليه) خلوا عنه" (٢) يعني لم يستطيعوا أن يفعلوا تجاه قدر الله -جل وعلا- شيئًا.

[الملائكة الحفظة]

قال: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١)} [الأنعام: ٦١]. قال قَتَادَةَ، " حَفَظَةٌ يَا ابْنَ آدَمَ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ عَمَلَكَ وَرِزْقَكَ وَأَجَلَكَ، إِذَا تُوفِّيتَ ذَلِكَ قُبِضْتَ إِلَى رَبِّكَ. (٣)

وأخبرنا ربنا أيضًا أنه يحيط بابن آدم ملائكةٌ حافظون لأعماله. قال تعالى:


(١) التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (١/ ٦٣٥)
(٢) تفسير الطبري (١٣/ ٤٥٨).
(٣) تفسير الطبري (٩/ ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>