للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواجبة والمستحبة، كلُّ ما تعبد به الله -سبحانه وتعالى- فإنه يجب أن تُخلِصَه لله، وأن تُفرِد الله -جل وعلا- به.

[تعريف العبادة]

والعبادة عرفها شيخ الإسلام -رحمه الله- فقال: هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ: مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ فَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَصِدْقُ الْحَدِيثِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ؛ وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ وَالْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَالْجِهَادُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْجَارِ وَالْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالْمَمْلُوكِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَةِ. وَكَذَلِكَ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَشْيَةُ اللَّهِ وَالْإِنَابَةُ إلَيْهِ. وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ وَالصَّبْرُ لِحُكْمِهِ وَالشُّكْرُ لِنِعَمِهِ وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ؛ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَالرَّجَاءُ لِرَحْمَتِهِ وَالْخَوْفُ لِعَذَابِهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ هِيَ مِنْ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ هِيَ الْغَايَةُ الْمَحْبُوبَةُ لَهُ وَالْمَرْضِيَّةُ لَهُ الَّتِي خَلَقَ الْخَلْقَ لَهَا … إلخ» (١). وهي-كما يقول العلماء-قائمةٌ على التعظيم والتذلل لله -سبحانه وتعالى-. (٢)

[توحيد الألوهية هو دعوة الأنبياء]

فالأنبياء جميعًا بعثهم الله-سبحانه-لتحقيق هذا الأمر {أَنِ اعْبُدُوا} وقد ذكرنا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- (٣) وغيره من المفسرين أنَّ كلمة "اعبدوا" أو كلمة "العبادة" في القرآن يقصد بها الأمر بالتوحيد. فقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١] أي: وحِّدوا ربكم. وهنا قال: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي: وحِّدوا الله، والمقصودُ بالتوحيد هو توحيد الله في العبادة أي: في ألوهيته سبحانه؛ لأن توحيد الربوبية -كما تقدم معنا- تُقِرُّ به الخليقة ولا ينكره إلا معاند، ولكنَّ الذي بعث الله به الأنبياء هو دعوةُ الناس إلى عبادة رب العباد سبحانه. فالأنبياء لم يأتوا إلى الناس ليقولوا: إن الله هو الخالق، إن الله هو الرزاق، إن الله هو المحيي؛ فهذه أمور يُقِرُّون بها، ويؤمنون بها -كما تقدم معنا-؛ وإنما بعثهم سبحانه لتحقيق الأصل العظيم وهو إفراد الله -جل وعلا- بالعبادة. وقد تقدم معنا قولُ اللهِ -سبحانه-: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ


(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ١٤٩)
(٢) المرجع السابق (١٠/ ١٥٢)
(٣) تقدم تخريجه في المجلس السابع.

<<  <  ج: ص:  >  >>