للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِبَادِ بِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَضِيعُ، بَلْ يُقْتَصُّ حَقُّ الْمَظْلُومِ مِنَ الْمَظَالِمِ اهـ. (١) وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ وَتَوْجِيهٌ مُسْتَحْسَنٌ إِلَّا أَنَّ التَّعْبِيرَ عَنِ الْحِكْمَةِ بِالْغَرَضِ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْقَضِيَّةَ دَالَّةٌ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ عَلَى كَمَالِ الْعَدَالَةِ بَيْنَ كَافَّةِ الْمُكَلَّفِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ الْحَيَوَانَاتِ الْخَارِجَةِ عَنِ التَّكْلِيفِ، فَكَيْفَ بِذَوِي الْعُقُولِ مِنَ الْوَضِيعِ وَالشَّرِيفِ وَالْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ؟. ا. هـ (٢)

يُحبَس المؤمنون بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصُّون قبل دخول الجنة:

ومما يتصل بهذا الباب ما جاء في صحيح الإمام البخاري -رحمه الله- من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا» (٣).

فهذا يدل أيضًا على أنه حتى أهل الإيمان الذين يُوفِّقُهم الله -عز وجل- ويعبرون الصراط يقفون قبل أن يدخلوا الجنة، فيُحبَسُون في قنطرة بين الجنة والنار، فيُهذَّبون من كل المظالم التي كانت بينهم.

لا قُدِّسَت أمة لا يأخذ ضعيفُها حقَّه من شديدها:

وروى ابن أبي شيبة والبزَّار حديثاً عجيباً: عن بريدة -رضي الله عنه- قَالَ سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَعْفَرًا -رضي الله عنه-، حِينَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ: «مَا أَعْجَبُ شَيْءٍ رَأَيْتَه؟» قال: رأيت امرأة تحمِل على رأسها مكتلاً مِنْ طَعَامٍ فَمَرَّ فَارِسٌ فَرَكَضَهُ فَأَبْذَرَهُ فَجَلَسَتْ تَجْمَعُ طَعَامَهَا، ثُمَّ الْتَفَتَتْ قَالَتْ وَيْلٌ لَهُ إِذَا وَضَعَ الْمَلِكُ -تبارك وتعالى- كُرْسِيَّهُ فَأَخَذَ للمظلوم مِنَ الظَّالِمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَصْدِيقًا لِقَوْلِهَا «لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ أَوْ كَيْفَ تُقَدَّسُ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ ضَعِيفُهَا حَقَّهُ مِنْ شَدِيدِهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ؟» (٤).


(١) ينظر: «شرح المصابيح لابن الملك» (٥/ ٣٦١) وهو منقول عن «المفاتيح في شرح المصابيح» (٥/ ٢٥٩) لمظهر الدين الحسين الشيرازي الحنفي (ت: ٧٢٧ هـ)
(٢) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (٨/ ٣٢٠٣)
(٣) أخرجه البخاري (٢٤٤٠)
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة -كما في المطالب العالية (٣٢٩٨) - والبزار (٤٤٦٤) وابن أبي عاصم في السنة (٥٨٢) والطبراني في المعجم الأوسط (٥٢٣٤) -وعنه أبو سعيد النقاش في فنون العجائب (٢٢) - والبيهقي في السنن الكبرى (٢٠٢٠٣) وفي الأسماء والصفات (٨٦٠) وفي شعب الإيمان (٧١٤٢) وفي إسناده عطاء بن السائب وكان قد اختلط. والرواة عنه هنا ممن لا يعرف روايتهم عنه أكانت قبل الاختلاط أم بعده. لكن يشهد له الحديث الآتي فهو به حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>