إذا عرفنا ذلك فننتقل بعد هذا إلى مسألة مهمة من مسائل الإيمان بالقضاء والقدر، وهي هل الإيمان بالقضاء والقدر يتنافى مع العمل بالأسباب والاجتهاد في العمل أم إنه دافع للعمل؟ لأن بعض الناس قد يقول: إذا كنا نؤمن بالقضاء والقدر فلِمَ العمل إذًا؟ فنقول: فِعْلُ الأسباب لا ينافي الإيمان بالقضاء والقدر، بل إنما مباشرةُ الأسباب والعمل بها من تمام الإيمان بقضاء الله وقدره؛ ولذلك يجب على العبد مع الإيمان بالقدر أن يجتهد في العمل والأخذ بأسباب النجاة والالتجاء إلى الله بأن يُيَسِّر له أسباب السعادة وأن يُعينه عليها.
[ذكر بعض الأدلة على ذلك]
ولو تأملنا نصوص كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- لوجدنا ذلك بيِّنًا واضحًا فالقرآن يأمر باستعمال الأسباب ولا يهملها.
انظروا في قول الله سبحانه:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[الجمعة: ١٠] فالله يأمر بالانتشار في الأرض والعمل بالأسباب.
ويقول في حثِّ الناس على العمل والسعي في طلب الأرزاق واتخاذ الأسباب: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)} [الملك]، حثَّنا على ماذا؟ على السعي.