للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله -جل وعلا- ردَّ القضاء كما في الدعاء المشهور من أدعية الوتر: «وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ» (١).

وكما في الدعاء الآخر أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، وَمِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ» (٢). فلا مانع أن يسأل الإنسانُ اللهَ -جل وعلا- أن يرفع عنه البلاء، وأن يَرُدَّ عنه القضاء الذي قُضِيَ.

قال الإمام النووي -رحمه الله-: فَأَمَّا الِاسْتِعَاذَةُ «مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ» فَيَدْخُلُ فِيهَا سُوءُ الْقَضَاءِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْبَدَنِ وَالْمَالِ وَالْأَهْلِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْخَاتِمَةِ وَأَمَّا «دَرَكُ الشَّقَاءِ» فَيَكُونُ أَيْضًا فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَمَعْنَاهُ أَعُوذُ بِكَ أَنْ يُدْرِكَنِي شَقَاءٌ؛ وَ «شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ» هِيَ: فَرَحُ الْعَدُوِّ بِبَلِيَّةٍ تَنْزِلُ بِعَدُوِّهِ … وَأَمَّا «جَهْدُ الْبَلَاءِ» فروى عن ابن عُمَرَ أنه فَسَّرَهُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ الْعِيَالِ (٣). وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ الْحَالُ الشَّاقَّةُ» (٤)

سادسا: الحسد:

كذلك من الأخطاء في هذا الباب ما يقع فيه بعضُ الناس من الحسد، فحقيقة الحسد أنه اعتراض على قدر الله -جل وعلا- فالحاسدُ لم يُسَلِّمْ لقضاء الله وقدره، وهذا نجده كثيرًا في الناس، فيجد بعضُ الناس أناسًا رزقهم اللهُ أموالًا وبسط لهم الله من الدنيا، فتجده لا يسلِّم بل يعترض فيقول: ولماذا رُزِقوا ولم أُرزَق ولِمَ أُعطُوا ولَمْ أُعْطَ؟ أو يقول: أنا أحقُّ بذلك منهم. وهكذا في الوظائف إذا ترقَّى بعضُ الناس في وظيفته يحسده آخرون فيقولون: والله لا يستحق ذلك. والأرزاق هذه يوزعها ربُّ العالمين ويعطيها من يشاء بحكمته -سبحانه-، فلا بُدَّ أن نؤمن بأن ما يقع في هذا الكون إنما يقع عن علم وحكمة لله. فمن تمام الإيمان بالقدر: تَرْكُ الحسد والتسليمُ لله في جميع الأمور. فالمؤمنُ لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله لإيمانه بأن الله هو الذي رزقهم وقدَّر لهم ذلك، فأعطى من شاء ومنع من شاء؛ ابتلاءً وامتحانًا، كما يدرك المؤمن أنه حين يحسد غيره


(١) أخرجه أحمد (١٧١٨)، والنسائي (١٧٤٥)، وأبو داود (١٤٢٥)، والترمذي (٤٦٤)، وابن ماجه (١١٧٨) من حديث الحسن -رضي الله عنه-.
(٢) أخرجه البخاري (٦٣٤٧)، ومسلم (٢٧٠٧) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٣) روي موقوفا ومرفوعا ولا يصح. انظر: السلسلة الضعيفة (٢٥٩٢) و"تكميل النفع بما لم يثبت به وقف ولا رفع" للشيخ محمد عمرو بن عبد اللطيف (ص: ٦٩).
(٤) شرح النووي على مسلم (١٧/ ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>