وتأملوا كلمة إبراهيم -عليها السلام- لقومه: قال الله -جل وعلا- في سورة العنكبوت: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} ثم قال -عليها السلام-: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا}[العنكبوت: ١٦ - ١٧]
أيْ هؤلاء الذين تعبدونهم، هذه الأصنام والأوثان هل ترزقكم؟
الجواب: لا. من الذي يرزقكم؟ إنه الله؛ لهذا قال: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧)} [العنكبوت]، فتأملوا كيف استدل بمسألة رزق الله -جل وعلا- على أنه خالقٌ مستحِقٌّ للعبادة. ولهذا فإن هذه الآية في سورة البقرة:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة: ٢١]-وكلمة {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} أي: وحِّدوُا الله -جل وعلا-. ذكر عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال:«كل عبادة في القرآن فهي توحيد»(١). فإذا قرأت:{اعْبُدُوا اللَّهَ}[المائدة: ٧٢، و ١١٧]، {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات] فالمقصود بذلك التوحيد؛ لأن: العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة. فلا بد من توحيد الله -سبحانه وتعالى-، فمعنى قوله:{اعْبُدُوا اللَّهَ} أي: وحدوا الله {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)} [البقرة].
وحاصل المعنى: أن إيمانكم بالله -جل وعلا- وبربوبيته مستلزمٌ لأن تؤمنوا بالله، وتوحِّدوه، فلا إله غيره ولا ربَّ سواه.
[من أدلة الإمام أبي حنيفة العقلية على وجود الله]
وقد ذكر ههنا العلامة الرازي -رحمه الله-: أنَّ الإمام أبا حنيفة -رحمه الله- كان سيفًا على الدهرية، وكانوا ينتهزون الفرصة ليقتلوه. فبينما هو يومًا في مسجده قاعد، إذ هجم عليه جماعة بسيوف مسلولة وهمُّوا بقتله فقال لهم: أجيبوني عن مسألة ثم افعلوا ما شئتم. فقالوا له
(١) ذكره عن ابن عباس -رضي الله عنه-: القرطبي في تفسيره = الجامع لأحكام القرآن» (١٨/ ١٩٣) وقبله أبو منصور الماتريدي في تفسيره = تأويلات أهل السنة (١/ ٣٦٣) وأبو الليث السمرقندي في تفسيره بحر العلوم (١/ ٣٠١) وهو مسند -بمعناه- في تفسير الطبري جامع البيان ط هجر (١/ ٣٨٥).