للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ، وَبِرُسُلِكَ، وَصَلَّيْتُ، وَصُمْتُ، وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ» (١)

قال ابن القيم: فاجْمَعْ بين قوله: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ … »، وقوله لمن ظنَّ أنَّه غيرَ ملاقيه: «فإنِّي أنساكَ كما نسيتني»، وإجماع أهل اللغة أنَّ اللقاء: المعاينة بالأبصارِ؛ يحصلْ لك العلمُ بأنَّ منكر الرؤية أحقُّ بهذا الوعيد. ومن تراجم أهل السنَّة على هذا الحديث: "بابٌ: في الوعيد لمنكر الرؤية"، كما فعل شيخ الإسلام وغيره، وباللَّه التوفيق ا. هـ (٢). قلت: وَذكره ابن مندة في الإيمان مع غيره تحت عنوان: "ذِكْرُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ -عز وجل- " ا. هـ (٣)

رُؤْيَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ:

لَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ -تبارك وتعالى- فِي دَارِ الْآخِرَةِ. كما تقدم. وَكَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ثُبُوتِ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ. والصحيح أنه لم يره كما في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَأَلَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ»، أَيْ: حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ رُؤْيَتِهِ النُّورُ، كَمَا قَالَ فِي لَفْظٍ آخَرَ: «رَأَيْتُ نُورًا» (٤).

قال ابن القيم: وَقَدْ حَكَى عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ اتّفَاقَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ. (٥)


(١) صحيح مسلم (٢٩٦٨).
(٢) -حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم- (٢/ ٧١٣)
(٣) (٢/ ٧٧٩).
(٤) صحيح البخاري (٦٥٤٥، ٧٥١٨)، صحيح مسلم (٢٨٢٩)
(٥) زاد المعاد في هدي خير العباد (٣/ ٣٣ - ٣٥) وانظر: نقض الدارمي على المريسي ت الألمعي (٢/ ٧٣٨)، والرد على الجهمية للدارمي - ت الشوامي (ص ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>