للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناقة، فلما قدموا مَكَّة ذهب فطاف، ثم رجع إلى المنزل وقد عي وعطش، فاستسقى الغلام، فقام سريعًا، فدعاه، فَقالَ: يا فلان: ما لي أراك مذ أصبت عين الناقة تخف في خدمتي خفة لم تكن تخفها، لعلك تتقيني، لا تتقيني بعد اليوم، وأنت حر لوجه الله، فأعتقه. (١)

[القصد في الغنى وفي الفقر]

ثم يسأل العبد ربَّه: «الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى» أي: أن يكون مقتصدًا، والقصد: هو التوسط والاعتدال فإذا كان فقيرًا فإنه يسأل الله -جل وعلا- أن يكون في حال فقره مقتصدًا، لا يبخل خوفًا من نفاد الرزق، ولا يسرف فيحمل نفسه ما لا طاقة لها به.

يقول ربنا -جل وعلا-: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)} [الإسراء] وكذلك القصد في حال الغنى يقول ربنا -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧)} [الفرقان]

والقوام: هو القصد والتوسط في كل الأمور.

قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: والاقتصاد في كل الأمور حسن حتى في العبادة، ولهذا نهى عن التشديد في العبادة عَلَى النفس، وأمر بالاقتصاد فيها، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» (٢)؛ وفي "مسند البزار عن حذيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-


(١) «الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم» (١/ ٣٤٧) وانظر أيضا: «حلية الأولياء» (٣/ ٣٩) و «تاريخ دمشق لابن عساكر» (٣١/ ٣٦٠)
(٢) أخرجه ابن ماجه (٤٢٤١) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّي عَلَى صَخْرَةٍ، فَأَتَى نَاحِيَةَ مَكَّةَ، فَمَكَثَ مَلِيًّا، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَوَجَدَ الرَّجُلَ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ، فَقَامَ فَجَمَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ» ثَلَاثًا «فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» وأخرجه أبو يعلى (١٧٩٦)، وعنه ابن حبان (٣٥٧) وفي سنده ضعف، وحسنه لشواهده العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٧٦٠) ومنها حديث بريدة بالجملة الأولى التي ذكرها ابن رجب، رواه الإمام أحمد (٢٢٩٦٣) عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْتُ ذَاتَ يَوْمٍ لِحَاجَةٍ، فَإِذَا أَنَا بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَمْشِي بَيْنَ يَدَيَّ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي جَمِيعًا، فَإِذَا نَحْنُ بَيْنَ أَيْدِينَا بِرَجُلٍ يُصَلِّي يُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «أَتُرَاهُ يُرَائِي؟» فَقُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَتَرَكَ يَدِي مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يُصَوِّبُهُمَا وَيَرْفَعُهُمَا وَيَقُولُ: «عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا. عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا. عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ» وصححه شيخنا العلامة الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (٩٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>