للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي فَعَلَ هذه الأشياء قادرٌ على أن يبعثكم من قبوركم، والمرادُ: سرعةُ وجودِ ذلك من غير توقف ولا تلبُّث، كما يجيب الداعيَ المطاعَ مدعُوُّه" (١).

وقال الحافظ ابن كثير: " {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} أي: إذا أمركم بالخروج منها فإنه لا يخالَفُ ولا يمانَعُ" (٢) كما قال تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (٥٢)} [الإسراء]

وكما قال تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)} [النازعات]

وكما قال ربُّنا -جل وعلا-: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١)} [يس].

إذا بُعثِرت القبور يقومون متفرِّقين:

يقوم الناسُ من قبورهم ينظرون كالحيارى متفرِّقين، يقول سبحانه: {الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (٤)} [القارعة] يعني: منتشرين متفرِّقين بين ذهاب ومجيء من حيرتهم مما هم فيه.

[إذا قاموا من قبورهم إلى المحشر يستقلون مدة الحياة الدنيا]

يتساءلون فيما بينهم كما قال الله -جل وعلا-: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (١١٣) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥)} [المؤمنون].

هذه الدنيا التي طال زمانها وتعدَّدت سنونها يقولون عنها يوم القيامة: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} يا سبحان الله! فالمدة قصيرة جدًّا {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا}. ويقول ربنا: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)} [النازعات]

قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: إذا قاموا من قبورهم إلى المحشر يستقصرون مدة الحياة الدنيا، حتى كأنها عندهم كانت عشية من يوم أو ضحى من يوم" (٣)، و"العشية: ما بين


(١) تفسير القرطبي (١٤/ ١٩).
(٢) تفسير ابن كثير (٥/ ٨٦).
(٣) تفسير ابن كثير (٨/ ٣١٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>